منتدى الثقافة والإبداع



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى الثقافة والإبداع

منتدى الثقافة والإبداع

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى الثقافة والإبداع

منتدى يتيح للشباب العربي التفسح بكل سهولة وإقتباس ما يريد من معارف


    آخر الموسوعيين العظام

    عاشق الفزياء
    عاشق الفزياء
    Admin


    عدد المساهمات : 210
    تاريخ التسجيل : 27/02/2009
    العمر : 34

    آخر الموسوعيين العظام Empty آخر الموسوعيين العظام

    مُساهمة من طرف عاشق الفزياء السبت أبريل 25, 2009 10:16 am

    [size=18][font=Verdana][b] كامل زهيري.. آخر الموسوعيين العظام.. د. جابر عصفور


    لا أظن أنني قابلت، في ميادين الحياة الثقافية المعاصرة، من بهرتني ثقافته الموسوعية أكثر من كامل زهيري الذي غادر حياتنا الفانية في الرابع والعشرين من شهر نوفمبر الماضي، تاركاً شعوراً فادحاً بالخسارة والحزن على هؤلاء الكبار الذين رحلوا عنا واحدا بعد الآخر، وعلى نحو متتابع.

    يشعر المثقف المصري بخاصة والعربي بعامة أن زمن الكبار أوشك على الانتهاء، وأن الثقافة المصرية التي كانت تباهي بأعلامها الكبار والأجيال المتتابعة من روادها العظام قد أصبحت خاوية منهم، وأنها خسرت بفقدهم ما كان يؤكد في الثقافة العربية رحابة الأفق وعمق الرؤى التي تركت في أجيالنا، وسوف تترك في الأجيال اللاحقة بنا، ما يملؤها بالفخر والاعتزاز بالانتساب إلى هؤلاء الكبار الذين أسهموا، على الرغم من تباين اتجاهاتهم، في تكوين وعينا المعاصر، وتطلعنا المتلهف إلى المزيد من المعرفة التي تركوا لنا مهمة المضي فيها بعدهم، والبدء منهم لا على سبيل التكرار أوالتقليد و المحاكاة الساذجة، أوالنسخ الأعمى، وإنما على سبيل الإكمال والإضافة، فقد علمونا أنهم بدأوا من حيث انتهى أساتذتهم، ومضوا في سبيل الإضافة التي وهبوا لها حياتهم، وأن علينا أن نفعل مثلهم ونحمل الشعلة عنهم إلى الأجيال اللاحقة، فنكون أوفياء للتلمذة عليهم، ومواصلين للرسالة النبيلة التي خلفوها أمانة بين أيدينا، تماماً كما فعل جيل كامل زهيري (المولود سنة 1927).

    وقد اجتمع كامل زهيري مع عدد من ألمع أبناء جيله في مجلة «روزاليوسف» في الخمسينيات التي كانت لاتزال تحتفظ ببقايا التيار الليبرالي، ممزوجاً بالجديد من التيارات اليسارية الحديثة، والمذاهب الجديدة التي كانت تموج بها أوربا إلى نهاية الأربعينيات والنصف الأول من الخمسينيات، وهي المذاهب التي كانت تعرضها باريس التي أتاحت لعبدالرحمن الشرقاوي وكامل زهيري، بعده، وغيرهما، نافذة واسعة على العالم الرحب الذي خرج من جحيم الحرب العالمية الثانية التي أكملت كوارث الأولى، وجعلتهم مملوئين بحماسة الاكتشاف والتجدد الفكري والتغير الأدبي. وقد تعلم أبناء الجيل الذي ينتسب إليه كامل زهيري تقبل الأفكار الجديدة، ووعيها نقديا بوضعها موضع المساءلة، وكان شعارهم في ذلك: دع كل الزهور تتفتح، واقبل الاختلاف، ولا ترفض الآخر وانطو على وحدة التنوع التي تجمع ما بين معرفة الفنون والآداب، غير مفصولة عن العلوم الإنسانية التي تمثل وحدتها الوجه الآخر من عالم الآداب والفنون. ولذلك، لم يكن من الغريب أن يظهر من أبناء هذا الجيل (المولود أغلبه سنة 1927) من أصبح رائدا لقصيدة العامية الحديثة (فؤاد حداد) وقصيدة الشعر الحر (عبدالرحمن الشرقاوي الذي تبعه صلاح عبدالصبور) والوعي السياسي المغاير (أحمد بهاء الدين) والقصة القصيرة مع الرواية القصيرة (يوسف إدريس). وكان ذلك في مواجهة أخطر عمليات المتابعة للانفتاح الذي شهدته أوربا، وحمل معه مراجعة جذرية للماركسية التقليدية التي لم تخل من طابع ستاليني، وإرهاب جدانوفي، ومن ثم الميل إلى نوع جديد من التروتسكية المفتوحة على أفق واعد، أرساها أمثال روجيه جارودي في فرنسا نفسها، وإيليا إهرنبورج الذي حمل الرياح العفية المنعشة من أوربا الجديدة إلى داخل السور الحديدي للاتحاد السوفييتي، حتى من قبل أن ينشر روايته العلامة «ذوبان الجليد» سنة 1954.

    عدوى الأدب

    وقد وصل كامل زهيري إلى تجمع «روزاليورسف» بعد رحلة دالة، بدأت بدراسة الحقوق التي أرادها والده طريقا له إلى أكبر المناصب السياسية التي كانت مقصورة، في ذلك الزمان، على أبناء الكلية التي كانت الرحم الذي يولد منه قادة الأحزاب والزعماء السياسيون والوزراء ومن في حكمهم. ولكن كامل زهيري الشاب أدركته عدوى الأدب من قراءة طه حسين وتلميذه محمد مندور اللذين جذباه إلى دنيا الأدب التي مالبثت أن قادته إلى تجمعات السيرياليين في مصر، فعرف رموزها، جورج حنين والتلمساني وأنور كامل وغيرهم من «جماعة الخبز والحرية» و«التطور» فأسهم فيها، وانطوى على شعلة تمردها المقدسة، واكتسب منها محبة الرسم والفنون التشكيلية، والاندفاع صوب الموجات الأدبية والفنية المتمردة على كل قديم جامد. ولذلك، ما إن تخرّج من كلية الحقوق في مايو 1947، وافتتح لنفسه مكتباً للمحاماة، فإنه سرعان ما تركه،ليعمل في إذاعة الهند، ويعيش عجائب هذا البلد الذي ظل ينطوي على حبه لأكثر من عام، واتصلت حباله بحبال «الأهرام» التي أصبح مراسلاً لها في الهند، تلك التي جذبته إلى أسرارها وتاريخها ودياناتها وتنوع فنونها، فعرف طاغور وإقبال قبل أن يعرفهما الكثيرون، وذلك إلى جانب العلاقة التي ربطته بالصحافة، وكانت بدايتها الأهرام التي استطاع أن ينشر فيها «خبطات» صحفية، مكنه منها أصدقاؤه المسئولون الكبار في الهند. ولكنه لم يلبث أن اكتفى من حياته في الهند، فقرر الرحلة إلى عاصمة النور التي كان يحلم بالحياة فيها، خصوصا «الحي اللاتيني» الذي يقع السوربون في القلب منه، فحمل حقيبته وأحلامه وذهب إلى «فترينة الدنيا» التي أغواه بها توفيق الحكيم، وقبله هيكل وطه حسين، ماضياً في الطريق نفسه الذي مضى فيه عبدالرحمن الشرقاوي، لكن مع اختلاف التوجه والمطامح.

    ووصل كامل زهيري إلى باريس، وأصبح «الحي اللاتيني» فضاءه الأثير الذي لا يتركه إلا ليعود إليه، ولا يهجره إلى غيره، كالعاشق الذي قرر عدم مفارقة معشوقه. وهو يصف حياته في الحي اللاتيني، في أواخر الأربعينيات في أكثر من كتاب له، وأهمها كتابه «الغاضبون» الذي أنقل عنه قوله: «فرنسا عندي هي باريس، وباريس هي الحي اللاتيني».

    ذكريات في باريس
    عاشق الفزياء
    عاشق الفزياء
    Admin


    عدد المساهمات : 210
    تاريخ التسجيل : 27/02/2009
    العمر : 34

    آخر الموسوعيين العظام Empty رد: آخر الموسوعيين العظام

    مُساهمة من طرف عاشق الفزياء السبت أبريل 25, 2009 10:20 am

    [size=18] وتستغرقه ذكرياته الباريسية، مؤكدا أن باريس هي شباب فرنسا المتجدد، والحي اللاتيني هو، بلا منازع هذا الشباب. وهو من أقدم أحياء باريس، أقدم من حي الباستيل وحي الجمهورية وغيرهما، ولكن الحي اللاتيني يتميز عنهما بأنه قديم وشاب، ولا يشيب، فهو الحي الذي تزدحم فيه الجامعات، والمدارس العليا، والمكتبات القديمة العامة، ولعل هذا هو سر شبابه الدائم، لأنه يستقبل الشباب طلابا، ويودعهم رجالا. وروعة هذا الحي، عنده، ترجع إلى أنه عتيق وثوري، وفي هذا المزيج الغريب سر خاص يجذب إليه كامل زهيري إلى آخر حياته، ففي قلب الحي تتربع أقدم جامعة أوربية، السوربون، وفيه تتزاحم في قلب كامل زهيري موجات من الذكريات، عقلية وعاطفية، فقد عرف فيه عشق الجمال الأنثوي وعشق الجمال الفني في العمارة والرسم والآداب والأفكار على السواء، وكان فيه كالظامئ الذي لا يرتوي، فأخذ ينهل منه، ويعود إليه على امتداد حياته ليعاود الإضافة إلى ما أخذ منه وعنه. وظل للسوربون مكانة خاصة في نفسه، فهو معجزة معمارية في عينيه المحبتين، أبوابه عتيقة، وفناؤه يحتفظ بطابع القرون الوسطى، بلاط أبيض صغير، وحيطان سوداء تحيط الفناء الذي يشبه فناءات الكنائس القديمة.

    وكان سارتر لايزال يرتقي إلى القمة، فيلسوفا للعبث والحرية، فكان المفكر الذي انتشل الفرنسيين من مرارة الهزيمة في الحرب العالمية الثانية التي انتهت قبل وصول كامل زهيري إلى باريس بثلاثة أعوام فحسب، وتركت المرارة التي لم يمحها سوى صرخات سارتر الوجودية التي أصبحت شعارا دائما: «الإنسان محكوم عليه بالحرية. وهو يصنع حريته بنفسه، والإنسان هو ما يفعله». وظلت كلمات سارتر الذي كان قد أسس (مع رفاقه الذين اشتركوا في مقاومة النازية) مجلة «العصور الحديثة» التي استعار عنوانها من فيلم شارلي شابلن الشهير، قاصداً بذلك أن تكون المجلة تعبيرا عن تنوع الفكر الصاعد بعد الحرب.

    وامتلأ كامل زهيري بمثل هذه الأقوال، وعرف إلى جانب سارتر أقرانه، ألبير كامي الذي قال إن الحياة عبث، ولكن قدر الإنسان أن يصنع من هذا العبث معنى هو المعادل الموضوعي لقيمة حضوره الخلاق في الوجود، وعرف سيمون دي بوفوار التي كانت أخذت تشغل الأذهان بتعبيرها الأدبي عن وعي نسائي متحول، مستقل وحر في آن. وظل كامل زهيري يحلم أن يرى مثل حركة سيمون دي بوفوار في الحركات النسائية العربية، ولم يفته في سياق ذلك كله، أن يعرف الشعراء الذين لم ينس منهم بول إيلوار وأراجون، ويقرأ قبلهما شعراء التمرد، وعلى رأسهم بودلير ورامبو وفرلين، ودع عنك الكتاب الذين أخذ يطالعهم ابتداء من مارسيل بروست ، وليس انتهاء بأدباء العالم الذين أخذوا في القدوم على باريس، كأنهم يبحثون عن التعميد فيها وبها، فعرف هيمنجواي، ولا شك أنه قرأ عن هنري ميللر. أما الأساتذة الذين تأثر بهم أكثر من غيرهم في السوربون الذي أسس أصول وعيه الفكري والأدبي على السواء، فأولهم ميرلوبونتي الذي كان أستاذا شابا في ذلك الزمان، يتميز بوجه خشبي، طويل عريض، صوته فحل عميق، وجسمه رياضي بقامته الشامخة، أنيق بلا مبالغة، تحسبه قبل أن يتكلم ممثلا يتألق على الشاشة البيضاء، فإذا تكلم فيما يقول كامل زهيري، أحسست إحساسا عميقا غريبا، ولفك شيء من العذاب في صوته الذي كان يعكس العناء الذي يبذله، وكان ميرلوبونتي صديق سارتر وسيمون دي بوفوار في ذلك الزمان، ومديراً لمجلة «العصور الحديثة». وكانت المجلة لاتزال ناشئة قوية، لكنهم تخاصموا، وانشق ميرلو بونتي، وتبادل مع صديق الأمس وصديقته الاتهامات الفلسفية حول الشيوعية والستالينية.

    مذاهب غريبة

    وقد عرفت «مذاهب غريبة» وطالعته عقب صدوره في يونيو 1958 عن سلسلة «كتب للجميع» التي كان يشرف عليها أحمد حمروش في ذلك الزمان. لا أذكر هل قرأته في العام نفسه،أم في العام اللاحق، كل ما أذكره أنني اشتريته بقرشين من كومة الكتب المرتجعة التي كان يعرضها «عم كامل» على عربته اليدوية، في شارع العباسي بمدينة المحلة الكبرى، ولفت نظري إلى الكتاب (الذي كان ثمنه عشرة قروش قبل أن يصبح مرتجعاً) ثلاث صور لشخصيات غريبة الشكل، تملأ صفحة غلافه، تميز شكلها يلفت الانتباه إليها. وكانت لبعض من قدم الكتاب أفكارهم لعقلي المتعطش إلى المعرفة، المتطلع إلى أفق جديد، وذلك للمرة الأولى التي أعرف فيها عن أفكارهم وهم نيتشه وتولستوي وشوبنهور، إن لم تخنّي الذاكرة، وأخذت أطالع الكتاب الذي شدّني عنوانه: «مذاهب غريبة» وبعد العنوان، جاءت المقدمة التي تفتح لعقلي الفتى أبواب الوعي النقدي، خصوصاً حين يعلن كامل زهيري أنه يقدم هذه المذاهب لا على سبيل الدعابة لها، وإنما على سبيل المعرفة التي لابد أن تتسع للتيارات التي احتواها العالم الفسيح، ويضيف إلى ذلك أهمية «أن تتعود عيوننا على الجرأة»، وعقولنا على التحليل والنقد والمقارنة، وذلك لكي نخلص من ذلك الإيمان الساذج الذي يجعلنا نعتنق أول مذهب نقابله، بل نتعمّق في المذاهب الخاطئة كما نتعمّق في المذاهب الصائبة المستقيمة، فنفهم أن الخطأ دائماً، بل تجربته أحياناً، هو الذي يقود إلى الصواب، وكانت هذه الكلمات تدخل عقلي الصغير، فتترك لنفسها مكاناً تحفزه فيه حتى لا أنساها، ولم أنسها بالفعل، فمنها تعلمت أول معاني الوعي النقدي، ومنها ضرورة المساءلة التي ظلت مبدأ أساسياً من مبادئ تفكيري الذي لا يقبل أو يرفض شيئاً إلا بعد أن يضعه موضع المساءلة، وكانت البداية ما قرأته لكامل زهيري في مقدمة كتابه التي تعلمت منها أنه «ليست هناك فكرة واحدة ثابتة، تستطيع أن تزعم لنفسها الدوام، بل الأفكار عديدة، تتصارع في سبيل البقاء، وتحاول التشبث بالأرض والنفاذ بجذورها إلى أعماقها، وقد تنجح أو تموت».

    وقد أخذني الكتاب في جولة ساحرة، قرأت فيها عن السريالية للمرة الأولى بشكل عميق، ومنها إلى الفوضوية ثم العدمية، وعرفت أسماء بيكاسو وسلفادور دالي وإيلوار وتولستوي الذي لم أكن أعرف عن مزجه المسيحية بالفوضوية، ناهيك عن العدمية التي ارتبط بها اسم نيتشه، ولم ينفصل عنها تماماً اسم شوبنهور، وضمت قائمة المذاهب الغريبة «الحشاشين» الذين قادهم الحسن الصباح الذي تمترس في قلعة الموت، «والخناقين» الفرقة التي انبثقت في الهند أمّ العجائب كما وصفها صلاح جاهين بحق. المهم فتح لي الكتاب آفاقاً لم أكن أعرفها، وأدار رأسي بأسماء لم أكن أسمع عنها، فأخذت أتطلع إلى معرفة المزيد عن سلفادور دالي وإيلوار، وأندريه بريتون ورينيه كريفيل، وباكونين وشترنر ونيتشه.

    موسوعية المعرفة

    ولفت نظري في الكتاب ما أستعيده، الآن، في استرجاع صفات كامل زهيري، ملامح فارقة، أولها قدرته السردية الجذابة التي كان يقدم من خلالها المذاهب، كما لو كان روائياً، يكتب عن نماذج بشرية حية، يدفعنا إلى معرفتها وفهمها بما يجعلنا قادرين على الحكم عليها. وثانيها الحس الأدبي المرهف الذي كان يبين عن معدن الشعر الذي انطوت عليه روح كامل زهيري، والذي تجلّى في إسهاماته الشعرية مع رفاق شبابه الباكر من السرياليين المصريين.

    أما الصفة الثالثة فهي الموسوعية التي عرفت منها، مثلا، أن تورجينيف الكاتب الروسي هو أول من اخترع كلمة العدمي (النيهيلست) والعدمية (النيهيلزم) في قصته «الآباء والأبناء» التي صوّر فيها شخصية بيساريف العدمي الروسي الذي أطلق عليه، في الرواية، اسم بزاروف. وكان من سمات الموسوعية - في «مذاهب غريبة» - الجمع بين الشرق والغرب وانتقال الكاتب من الأقطار الغربية إلى الشرقية، ومن العالم الحديث إلى الوسيط والقديم، والجمع بين معارف لا نهاية لها تصل الآداب بالفنون، وتربط بين كليهما وبين التاريخ والفلسفة والاجتماع وعلم النفس، وقس على ذلك غيره في صفة الموسوعية التي ظلت صفة ملازمة لكتابات كامل زهيري وأحاديثه على السواء.

    ولا أنسى أهم ما يصل بين كل هذه الصفات، أعني ما تنطوي عليه النزعة الموسوعية عند كامل زهيري، وهي عشقه الدائم للحرية وتمسّكه بها وإلحاحه عليها. لقد ورث التمسّك بها من جيل الليبراليين الذي تتلمذ عليه، خصوصاً طه حسين الذي ظل يسعى إلى توسيع آفاق الحرية الفكرية والسياسية.

    رحلة الصحافة

    ورحلة كامل زهيري مع الصحافة هي رحلة مثقف عميق الثقافة، موسوعي شديد الوعي بوحدة المعرفة الإنسانية، وفنان يجمع بين عشق اللون والحرف، فيناقل بينهما في رهافة نادرة. وكانت البداية «روزاليوسف» التي واصلت تقاليد طه حسين في «الكاتب المصري» التي كانت حريصة على أن تقدم في كل عدد منها عرض كتاب جديد من كتب العالم حولها، وتولى كامل زهيري هذه المهمة طويلاً وتبادلها مع صلاح عبدالصبور، الذي لم يكن يقل عنه عشقاً للكتب، وحرصاً على التعريف بها لمن لا يعرفها. وانتقل كامل زهيري إلى مؤسسة «دار الهلال» حيث تولى رئاسة تحرير الهلال ما بين 1964 - 1969. وشهدت «الهلال» طفرة فريدة في عهده، فقد أخذت على عاتقها إصدار أعداد خاصة عن أمثال «طه حسين» و«الحكيم» و«العقاد». وأكملت الدائرة بأحمد شوقي.

    ][/font][/size][/size]
    عاشق الفزياء
    عاشق الفزياء
    Admin


    عدد المساهمات : 210
    تاريخ التسجيل : 27/02/2009
    العمر : 34

    آخر الموسوعيين العظام Empty رد: آخر الموسوعيين العظام

    مُساهمة من طرف عاشق الفزياء السبت أبريل 25, 2009 10:21 am

    [size=18] وكان كامل يريد أن يخصص عدداً كاملاً عن نجيب محفوظ، لكنه ترك المهمة لرجاء النقاش بعد أن فارق دار الهلال، وانتقل منها إلى رئاسة مجلس إدارة روزاليوسف ما بين 1969 - 1971. وكان قد أصدر كتابه «الغاضبون» الذي أكمل فيه ما بدأه في «مذاهب غريبة» وبعده أشرف على «الموسوعة الاشتراكية» التي أصدرها من دار الهلال، فضلاً عن «مزاعم بيجين» و«النيل في خطر» وقبله «ممنوع الهمس» و«منازعات في الديمقراطية والاشتراكية». وبعدها «الصحافة بين المنح والمنع» و«العالم من ثقب الباب». وكان قد نشر قبل ذلك كتاباً عن عدد كبير من عروض الكتب التي قدمها في «روز اليوسف» في كتابه «سبعون كتاباً في كتاب». نشره سنة 2002. وبعد أن ترك «روز اليوسف» استقر محرراً في جرية «الجمهورية» وظل يواصل فيها كتابة عموده الفاتن «من ثقب الباب» الذي أطلع من خلاله القرّاء على جوانب ثقافته الموسوعية المذهلة، وكان ذلك ابتداء من سنة 1972.

    وانتخب كامل زهيري، خلال هذه المسيرة نقيباً للصحافيين مرتين، الأولى ما بين 1968 - 1971، والثانية ما بين 1979 - 1981. وقد شهدت المرتان توتر علاقته بالمؤسسة السياسية الحاكمة، الأولى بسبب مقدمات حرب 1973 التي اقترنت بعام الضباب، والثانية بسبب التداعيات السلبية لزيارة أنور السادات إلى القدس سنة 1977 وتوقيعه معاهدة السلام مع إسرائيل سنة 1979.

    وقد أفدت من الملف الذي أعدّه تلميذي السيد محمود معلومات كثيرة عن مسيرة كامل زهيري الصحفية، ابتداء من وضعه القانون الحالي لنقابة الصحفيين المصرية الذي يضمن لهم حقوقاً نقابية واسعة، مروراً بتوليه رئاسة اتحاد الصحفيين العرب، وليس انتهاء بإسهامه في إنشاء نقابات للصحفيين في تسعة أقطار عربية، فضلا عن صلابته الفكرية في الدفاع عما آمن أنه الحق، والدفاع عن حقوق الصحفيين، خصوصاً في مواجهة قانون الطوارئ، فضلاً عن إلحاحه على ضرورة حرية التعبير واحترام حق الاختلاف، وإسهاماته التي أخذت شكل كتب عدة، آخر ما قرأت له فيها «أنا والنساء» الذي صدر في سلسلة «كتاب اليوم» سنة 1997، وهو كتاب يستحق عرضاً خاصاً. أقول إن إنجازات كامل زهيري في مسيرته الصحفية، ومواقفه السياسية، وكتاباته على السواء، كلها جعلته يستحق بجدارة الحصول على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى في مصر، والجائزة التقديرية لنقابة الصحفيين المصريين، إضافة إلى وسام الصحافة العربية من الاتحاد العام للصحفيين العرب، وأخيراً: على جائزة مبارك في العلوم الاجتماعية، وهي أرفع جائزة مصرية، سنة 2005.

    ولقد ظللت حريصاً على متابعة ما يكتبه كامل زهيري الذي أنزلته، في نفسي منزلة الأساتذة الأكثر تأثيراً في وجداني. وقد ازددت اقتراباً منه حين توليت أمانة المجلس الأعلى للثقافة، وكان فاروق حسني وزير الثقافة اختاره رئيساً لمجلس إدارة مكتبة القاهرة الكبرى التي كنا نلجأ إلى قاعة المحاضرات فيها، قبل أن نكمل بناء المبنى الحالي للمجلس الأعلى للثقافة الذي أصبح كامل زهيري من أبرز أعضائه. وكانت سنوات التسعينيات هي السنوات التي اقتربت فيها من كامل زهيري وعرفته عن قرب إلى السنوات الماضية من مطلع القرن الحادي والعشرين، وذلك قبل أن يباعده المرض الذي كان يحول دون تكرار اللقاءات الحميمة القديمة. ولن أنسى ما تعلمته في هذه اللقاءات، فضلاً عما تعلمته من كتابات كامل زهيري القديمة، خصوصاً إلحاحه على أن الثقافة والمثقفين لا تعرف ولا يعرفون ثقافة العين، وأن كليهما يعاني من أمية بصرية لا تقل سلباً عن الفوضى البصرية التي تمضي فيها عمارة القاهرة المعاصرة التي ازدادت قبحاً وفوضى وتنافراً عاماً بعد عام.

    عشق الفن والعمارة

    ولن أنسى كلمات كامل زهيري التي تقول إن الكلمات ألحان، وأن وعيه بذلك منذ زمن بعيد هو الذي جعله يعشق زيارة المعارض والمتاحف والمراسم. وكان يقول إن متعة الرسام أن يبدأ لوحته بنقطة، وتصبح النقطة في خياله خطا، ويصبح الخط أرضاً وسماء ومنازل وبشراً، ولذلك أحبّ إلى درجة الفتنة قصيدة رامبو «تراسلات» أو «تجاوبات» التي حاول أن يجمع فيها بين العين والأذن، اللون واللحن، وربط بين الحرف مكتوباً وما يرادفه من الخيال مسموعاً. وقد تعلق كامل زهيري بالرسم الذي ظل واحته، فتكاثرت لوحاته التي عرضها له أحد المعارض. ولم يكن غرام زهيري بالرسم يوازنه سوى عشقه للعمارة في مصر القديمة، في الثلاثينيات من القرن الماضي، وكان يحج إليها، ويأخذنا إلى ما بقي من شواهدها, معلماً إيانا الكثير الكثير الذي لم نكن نعرفه، وكان يذكّرنا، دائماً، بقول الإسحاقي شاعر القرن السادس عشر في مصر:

    إنني أرى الديار بعيني
    فلعلي أرى الديار بسمعي

    وكانت موسوعية كامل زهيري تبين عن معرفة استثنائية بالتراث العربي القديم والوسيط الذي ظل مغرماً بمعرفته غرامه بجمع الكتب القديمة أو النادرة، التي ضاعت من الذاكرة أو المكتبات، فضلاً عن معرفة مذهلة بجوانب الثقافة الأوربية التي لم يتكاسل في متابعتها، تدعمه في ذلك معرفته الوثيقة بالإنجليرية والفرنسية، فضلاً عن الفارسية التي كان يلم بأطراف منها. وقد أتاحت له هذه المعرفة ترجمة كتب مثل «بدلاً من الخوف» لانوريه بيفان، و«الدولة» لهارولد لاسكي، وكان تعيينه محرر الشئون الخارجية في «روزاليوسف» القديمة بسبب هذه المعرفة. ولكن معرفة اللغات وحدها ما كان لها معنى، بعيداً عن الحرص على المتابعة، ولاأزال أذكر الفصل الأخير من كتابه «الغاضبون» الذي يعود فيه إلى باريس الحي اللاتيني بعد سنوات طويلة من الغياب، فيجد أن أساتذته لم يعد لهم الاحترام القديم في أنفس الشباب الذي أخذ يتعلق بأسماء جيفارا وماو وهوشي منه، شأنهم في ذلك شأن ديجول والحزب الشيوعي، حزب الثوريين القدامى، بعد أن أصابته الشيخوخة في نظر الشباب الذين قلبوا أفكار العالم رأساً على عقب مع مظاهرات 1968 التي أسقطت ديجول، واكتشف كامل زهيري، بفضل الشباب الفرنسي المتمرّد، كتابات هربرت ماركيوز الأمريكي - ألماني الأصل - الذي تحولت كتاباته إلى دليل فكري لطلاب الثائرين، وكان علي كامل زهيري أن يقرأ هذا المفكر الجديد الذي حاول التوفيق بين الماركسية والفرويدية، وأبرز أهمية الطلاب في الثورة على القمع التكنولوجي الخفي الذي تفرض به الرأسمالية الحديثة قيودها القاسية، حتى لو كانت غير المنظورة، وكان ذلك كله تحت عنوان «الإرهاب والتكنولوجيا» والذي صوّره زهيري بجملة «التكنولوجيا هي حلم المتخلفين ولعنة المتقدمين».

    هكذا مضى كامل زهيري في نهمه المعرفي الذي لم ينقطع والذي أكسبه معرفته الموسوعية نادرة المثال. وما أكثر ما بهرتني هذه المعرفة، وجعلتني أجلس إلي كامل زهيري مستمعاً، منصتاً، متعلمًا، وفوق ذلك مستمتعاً بقدرته الفائقة على الحكي، ومفاجأة المستمع بنوادر لا أول لها ولا آخر، جمعتها خزائن ذاكرته من قراءاته ورحلاته العديدة وأسفاره التي لم تتوقف بين المدائن والكتب والأفكار.[/b[/size]

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء مايو 14, 2024 4:39 pm