[size=18][b][size=18][b]كانوا وما زالوا عند مفارق الطرق.. ينتشرون كالفراشات المجهدة حول السيارات .. يحومون حولها، يعرضون (بضائعهم) الرديئة بتوسل بريء، وهي ليست سوى علكة أو بعض علب السكائر... كذلك هم في الكراجات تنقلهم خطواتهم المتعبة بين المسافرين، يصفع وجوههم حر القيظ، فتصبغها سمرة متشابهة..
إنهم أزمة المجتمع شاخصة في كل مكان تقريباً.. مرة يبيعون أقداح الماء، وأخرى يتسولون، وثالثة يبيعون جهدهم الغض بأثمان بخسة في معامل الحرف اليدوية الجشعة..
أولئك هم أطفال العراق، ضحايا الحروب والديكتاتورية بالأمس واليوم، والخطر الذي بات يهدد المجتمع...
الأطفال ثروة المستقبل، وهم رصيد أي شعب... إذا صلحوا صلح المجتمع، وإن فشلوا وكانوا عرضة للخراب السلوكي والمعرفي والقيمي، انعكس ذلك كله سوءاً وتدهوراً على مجتمعهم الذي يعيشون فيه.. عوامل كثيرة تسبب ضياع الأطفال، تأتي في مقدمتها الحروب، فالطفل الذي ينشأ في أجواء الخوف والرعب، ويعتمد محيطه ثقافة المصطلحات العنيفة التي تسود فيها مفاهيم القتل والإرهاب واللا أمن ينشأ عنيفاً وعائماً بين قيم سطحية لا تسهم في تطوير المجتمع، إن لم نقل أنها تسبب تدهوره وتراجعه..
الأطفال في المقررات الدولية
عرفت المادة الأولى من اتفاقية حقوق الطفل التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20\تشرين الثاني\1989 الطفل بالقول: (يعرف الطفل بأنه الشخص دون سن الثامنة عشرة، ما لم تعرف القوانين الوطنية السن القوانين الوطنية بأكبر من ذلك).
بينما أكدت المواد من (1إلى 39) على واجبات الدولة تجاه الطفل، بدءا بعملها على عدم التمييز بين الأطفال وتوفيرها الرعاية اللازمة لنموهم بصورة طبيعية واحترامها لمسؤوليات الوالدين والأسرة تجاه أطفالها، ومروراً بحق الطفل بالحياة وحقه في الحصول على جنسية وضمان هويته وحريته في التعبير عن أفكاره، وانتهاء بحماية الأطفال من التعذيب والحرمان من الحرية، وضمان سلامته وعدم إشراكه بالنزاعات المسلحة..
وحين مطابقة هذه الحقوق التي نصت عليها المقررات الدولية الموقع عليها من قبل الكثير من الدول بينها العراق في ظل الحكومة العراقية السابقة، نجد أنهم لم يحصلوا على أدنى حق من هذه الحقوق، فهذه الحكومة شنت وتسببت بثلاثة حروب كبرى فضلاً عن عشرات المعارك والأعمال الحربية الداخلية والخارجية، ألحقت أضرارا بالغة بالبنى التحتية للاقتصاد والمجتمع، كان أطفال العراق الأكثر تضرراً منها، كما أنها اعتقلت عشرات الآلاف من الأطفال مع ذويهم، لأسباب سياسية في ظروف انعدمت فيها أبسط وسائل الرعاية الصحية، فضلاً عن تعريضها أطفال المعتقلات الذين ولدوا بصورة مشروعة أو غير مشروعة، إلى ظروف غاية في الخطورة، فهي إما قتلت هؤلاء أمام أعين آبائهم لغرض انتزاع الاعترافات، أو أرغمتهم للقيام بأعمال لا تتناسب وأعمارهم..
ولم تكتف الحكومة العراقية المنهارة بكل هذا بل تسببت بسلب الكثير من الأطفال العراقيين حقهم بالجنسية العراقية، فعشرات الآلاف من هؤلاء، إما هجروا مع ذويهم، أو ولدوا في بلدان المهجر، سيما تلك التي لا تضمن حقوق اللاجئين، فوقعوا ضمن حالة اللاجنسية، وهي حالة شاذة في القانون الدولي..
وربما الأكثر خطورة من هذا وذاك هو تسبب الحكومة العراقية السابقة بشيوع التخلف والأمية في أوساط الأطفال بدءا من عام 1980 وحتى الآن حيث ما زال المجتمع العراقي يعاني من الآثار السيئة للحروب والعوز الاقتصادي.
أزمة أخلاقية
في العراق اليوم يعاني المجتمع من أزمة أخلاقية وقيمية كبيرة، سيما في أوساط جيل الحرب.. هذا الجيل نشأ معظمه على قيم طارئة على المجتمع غريبة عنه.. فهناك اليوم شباب وأطفال يحملون السلاح ويقطعون الطرق.. يستولون على أموال الناس ويقتلونهم أحياناً بدم بارد، فالقتل لم يعد مرفوضاً في أذهانهم كما هو مرفوض في أذهان الأسوياء، لأنهم ببساطة لا يجدون في ضمائرهم حائلاً قيمياً يستنكر الفعل ويعتبره جريمة.. من السهل أن تجد سارقاً يعتبر السرقة فعلاً مشروعاً لأنه فقير بينما الآخرون أغنياء.. ومن (الطبيعي) بل لنقل من المعتاد أن ترى أطفالاً يتأبطون بنادقهم بحثاً عن (الرزق) مستغلين تردي الأوضاع الأمنية..
لماذا حصل هذا؟ وكيف تغيرت قيم المجتمع العراقي وهو إلى وقت قريب مجتمع تسود فيه سلطة أسرية تتمثل بالأب أو الأخ الأكبر، فضلاً عن سلطة رئيس العشيرة أو القبيلة.. لماذا اختفى هؤلاء وساد الأطفال المتمردون الذين لا يعتدّون بأي سلطة اجتماعية أو ثقافية أو دينية؟
إنها الحرب!!
خاض العراق منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي مجموعة من الحروب الإقليمية استنزفت الكثير من طاقاته المادية والبشرية وأتت على منظومته القيمية بشكل جسيم.. الحرب تعني الموت قتلاً بكثرة، ففي كل حي من أحياء العراق مهما صغر هناك عشرات القتلى سقطوا ضمن تلك السلسلة الحربية التي بدأت عام 1980 ولم تنته إلى الآن.. هذا القتل الجماعي يصدم وجدان الأطفال باديء الأمر ويضعهم أمام تساؤلات تبحث عن فلسفة لهذا الموت الجماعي، فلماذا يقتل الإنسان إنساناً آخر.. لماذا يحتاج إلى تجييش الأحقاد ضده عبر شعارات إعلامية واسعة؟؟
وحين تطول الحروب لا يستطيع أحد إيجاد تبرير منطقي يمنع الأطفال من الوقوع في مطبات الفهم السلبي لأسبابها ويجنبهم آثارها السيئة.. ولعل الأمر يبدو أكثر تهديداً حين يجد الأطفال أنفسهم بين كماشتين لا ترحمان.. فبسبب الحرب تفقد كثير من الأسر آباءها أو معيليها.. عندها يتشتت شملها وتتيه في مجاهيل خطيرة وينشأ أطفالها بعيداً عن أي رقيب قوي ومتابع، هذا إذا لم يتفتت ما بقي من شمل الأسرة حين تتزوج الأم من رجل آخر، أو يأخذ أهل الزوج المتوفى أبناءهم ليتربوا دون رعاية حميمة في ظل عائلة أخرى.
أما إذا قبلت الأم التحدي الصعب وقررت أن تربي أطفالها ولم تفرط بهم، فهي تضع نفسها أمام عوامل صعبة.. عليها أن تتولى الإنفاق على عائلة في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية قاهرة، فمجتمع كالمجتمع العراقي لم يعتد سابقاً على أن يرى المرأة تعمل إلا قبل سنوات قليلة، أو لنقل أن أغلب الأمهات في المجتمع العراقي هن من صنف ربات البيوت اللواتي لا يجيدن أعمالاً أخرى غير مهنة البيت والاهتمام بالأسرة، ثم في ظل ظروف اقتصادية سيئة ومتدهورة ما عسى المرأة أن تعمل ؟[/b][/size]
إنهم أزمة المجتمع شاخصة في كل مكان تقريباً.. مرة يبيعون أقداح الماء، وأخرى يتسولون، وثالثة يبيعون جهدهم الغض بأثمان بخسة في معامل الحرف اليدوية الجشعة..
أولئك هم أطفال العراق، ضحايا الحروب والديكتاتورية بالأمس واليوم، والخطر الذي بات يهدد المجتمع...
الأطفال ثروة المستقبل، وهم رصيد أي شعب... إذا صلحوا صلح المجتمع، وإن فشلوا وكانوا عرضة للخراب السلوكي والمعرفي والقيمي، انعكس ذلك كله سوءاً وتدهوراً على مجتمعهم الذي يعيشون فيه.. عوامل كثيرة تسبب ضياع الأطفال، تأتي في مقدمتها الحروب، فالطفل الذي ينشأ في أجواء الخوف والرعب، ويعتمد محيطه ثقافة المصطلحات العنيفة التي تسود فيها مفاهيم القتل والإرهاب واللا أمن ينشأ عنيفاً وعائماً بين قيم سطحية لا تسهم في تطوير المجتمع، إن لم نقل أنها تسبب تدهوره وتراجعه..
الأطفال في المقررات الدولية
عرفت المادة الأولى من اتفاقية حقوق الطفل التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20\تشرين الثاني\1989 الطفل بالقول: (يعرف الطفل بأنه الشخص دون سن الثامنة عشرة، ما لم تعرف القوانين الوطنية السن القوانين الوطنية بأكبر من ذلك).
بينما أكدت المواد من (1إلى 39) على واجبات الدولة تجاه الطفل، بدءا بعملها على عدم التمييز بين الأطفال وتوفيرها الرعاية اللازمة لنموهم بصورة طبيعية واحترامها لمسؤوليات الوالدين والأسرة تجاه أطفالها، ومروراً بحق الطفل بالحياة وحقه في الحصول على جنسية وضمان هويته وحريته في التعبير عن أفكاره، وانتهاء بحماية الأطفال من التعذيب والحرمان من الحرية، وضمان سلامته وعدم إشراكه بالنزاعات المسلحة..
وحين مطابقة هذه الحقوق التي نصت عليها المقررات الدولية الموقع عليها من قبل الكثير من الدول بينها العراق في ظل الحكومة العراقية السابقة، نجد أنهم لم يحصلوا على أدنى حق من هذه الحقوق، فهذه الحكومة شنت وتسببت بثلاثة حروب كبرى فضلاً عن عشرات المعارك والأعمال الحربية الداخلية والخارجية، ألحقت أضرارا بالغة بالبنى التحتية للاقتصاد والمجتمع، كان أطفال العراق الأكثر تضرراً منها، كما أنها اعتقلت عشرات الآلاف من الأطفال مع ذويهم، لأسباب سياسية في ظروف انعدمت فيها أبسط وسائل الرعاية الصحية، فضلاً عن تعريضها أطفال المعتقلات الذين ولدوا بصورة مشروعة أو غير مشروعة، إلى ظروف غاية في الخطورة، فهي إما قتلت هؤلاء أمام أعين آبائهم لغرض انتزاع الاعترافات، أو أرغمتهم للقيام بأعمال لا تتناسب وأعمارهم..
ولم تكتف الحكومة العراقية المنهارة بكل هذا بل تسببت بسلب الكثير من الأطفال العراقيين حقهم بالجنسية العراقية، فعشرات الآلاف من هؤلاء، إما هجروا مع ذويهم، أو ولدوا في بلدان المهجر، سيما تلك التي لا تضمن حقوق اللاجئين، فوقعوا ضمن حالة اللاجنسية، وهي حالة شاذة في القانون الدولي..
وربما الأكثر خطورة من هذا وذاك هو تسبب الحكومة العراقية السابقة بشيوع التخلف والأمية في أوساط الأطفال بدءا من عام 1980 وحتى الآن حيث ما زال المجتمع العراقي يعاني من الآثار السيئة للحروب والعوز الاقتصادي.
أزمة أخلاقية
في العراق اليوم يعاني المجتمع من أزمة أخلاقية وقيمية كبيرة، سيما في أوساط جيل الحرب.. هذا الجيل نشأ معظمه على قيم طارئة على المجتمع غريبة عنه.. فهناك اليوم شباب وأطفال يحملون السلاح ويقطعون الطرق.. يستولون على أموال الناس ويقتلونهم أحياناً بدم بارد، فالقتل لم يعد مرفوضاً في أذهانهم كما هو مرفوض في أذهان الأسوياء، لأنهم ببساطة لا يجدون في ضمائرهم حائلاً قيمياً يستنكر الفعل ويعتبره جريمة.. من السهل أن تجد سارقاً يعتبر السرقة فعلاً مشروعاً لأنه فقير بينما الآخرون أغنياء.. ومن (الطبيعي) بل لنقل من المعتاد أن ترى أطفالاً يتأبطون بنادقهم بحثاً عن (الرزق) مستغلين تردي الأوضاع الأمنية..
لماذا حصل هذا؟ وكيف تغيرت قيم المجتمع العراقي وهو إلى وقت قريب مجتمع تسود فيه سلطة أسرية تتمثل بالأب أو الأخ الأكبر، فضلاً عن سلطة رئيس العشيرة أو القبيلة.. لماذا اختفى هؤلاء وساد الأطفال المتمردون الذين لا يعتدّون بأي سلطة اجتماعية أو ثقافية أو دينية؟
إنها الحرب!!
خاض العراق منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي مجموعة من الحروب الإقليمية استنزفت الكثير من طاقاته المادية والبشرية وأتت على منظومته القيمية بشكل جسيم.. الحرب تعني الموت قتلاً بكثرة، ففي كل حي من أحياء العراق مهما صغر هناك عشرات القتلى سقطوا ضمن تلك السلسلة الحربية التي بدأت عام 1980 ولم تنته إلى الآن.. هذا القتل الجماعي يصدم وجدان الأطفال باديء الأمر ويضعهم أمام تساؤلات تبحث عن فلسفة لهذا الموت الجماعي، فلماذا يقتل الإنسان إنساناً آخر.. لماذا يحتاج إلى تجييش الأحقاد ضده عبر شعارات إعلامية واسعة؟؟
وحين تطول الحروب لا يستطيع أحد إيجاد تبرير منطقي يمنع الأطفال من الوقوع في مطبات الفهم السلبي لأسبابها ويجنبهم آثارها السيئة.. ولعل الأمر يبدو أكثر تهديداً حين يجد الأطفال أنفسهم بين كماشتين لا ترحمان.. فبسبب الحرب تفقد كثير من الأسر آباءها أو معيليها.. عندها يتشتت شملها وتتيه في مجاهيل خطيرة وينشأ أطفالها بعيداً عن أي رقيب قوي ومتابع، هذا إذا لم يتفتت ما بقي من شمل الأسرة حين تتزوج الأم من رجل آخر، أو يأخذ أهل الزوج المتوفى أبناءهم ليتربوا دون رعاية حميمة في ظل عائلة أخرى.
أما إذا قبلت الأم التحدي الصعب وقررت أن تربي أطفالها ولم تفرط بهم، فهي تضع نفسها أمام عوامل صعبة.. عليها أن تتولى الإنفاق على عائلة في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية قاهرة، فمجتمع كالمجتمع العراقي لم يعتد سابقاً على أن يرى المرأة تعمل إلا قبل سنوات قليلة، أو لنقل أن أغلب الأمهات في المجتمع العراقي هن من صنف ربات البيوت اللواتي لا يجيدن أعمالاً أخرى غير مهنة البيت والاهتمام بالأسرة، ثم في ظل ظروف اقتصادية سيئة ومتدهورة ما عسى المرأة أن تعمل ؟[/b][/size]