[size=18][b][size=18][b]يشكل التصدي لإشكالية الاستقرار السياسي لبلد مضطرب مثل العراق، تحديا في غاية التعقيد لكل باحث في مستقبل العراق، مما يستلزم التزود بمعرفة عميقة بتاريخ العراق المعاصر كما يتطلب استكمال عدة المرء وأدواته في سبر غور الذات العراقية المضفورة بتأثيرات عميقة يصل عمرها إلى آلاف الأعوام، والاهم من ذلك أن يمتلك المرء حسا استراتيجيا مؤسسا على نظرة تكاملية للإشكالية، وفي رأينا المتواضع- الذي نحسبه محاولة أولى لتأسيس نظرية متكاملة لدولة الاستقرار السياسي في العراق-فإن تناول الاستقرار السياسي في العراق يتطلب التصدي لبحث العناصر اللازمة لبلورة أرضية ملائمة لانطلاق استراتيجية الاستقرار، عبر الجمع بين ثلاثة مفاهيم متكاملة: الأول مفهوم سايكولوجي (الأمن)، والثاني مفهوم اقتصادي (التنمية) والثالث مفهوم قانوني (الشرعية). وإن التأسيس لتكامل هذه العناصر الثلاثة على أرضية من الوحدة الوطنية سيوفر المدخل الحقيقي لاستقرار البلاد- ذلك المطلب العميق الملح أمام العقل العراقي منذ وجد. وكنا قد ذهبنا في افتتاحيتنا للعدد الثاني من مجلتنا مسارات التي حملت عنوان (في التأسيس لما هو دائم) إلى تحليل جدل الدائم والمؤقت في العقل العراقي وأثر ذلك على نسج مفهوم الاستقرار داخل الذهنية العراقية، واستشهدنا ببصيرة عالم الآشوريات توركلد جاكوبسن الذي رأى أن العراقي القديم لو عاد إلى الحياة لما اضطرب كثيراً لمرأى آثاره وهي حطام لأنه كان دائماً يعرف معرفة عميقة بأن (الإنسان أيامه معدودة ومهما صنع فما هو إلا ريح تهب).
الكون العراقي كدولة
ويجد جاكوبسن في البيئة التي نمت فيها حضارة وادي الرافدين تفسيراً لنشوء الذهنية العراقية التي تكاد لا تؤمن بالراحة والاستقرار، فالبيئة العراقية تتميز بعنصر من القسر والعنف لم تعرفه المدنيات القديمة، فدجلة والفرات يفيضان على غير انتظار أو انتظام فيحطمان سدود الإنسان ويغرقان مزارعه. وهناك رياح لاهبة تخنق المرء بغبارها وأمطارها عاتية تحول الصلب من الأرض إلى بحر من الطين وتسلب الإنسان حرية الحركة. فهنا في العراق كما يشرح جاكوبسن لا تضبط الطبيعة نفسها. أنها ببطشها تتحكم بمشيئة الإنسان وتدفعه إلى الشعور بتفاهته ازائها. وتجربة الطبيعة التي أوجدت هذه الحالة الذهنية جاء التعبير المباشر عنها في فكرة الكون لدى سكان ما بين النهرين، فعلى الرغم من أنهم رأوا في الكون نظاماً لا فوضى غير أن ذلك النظام لم يكن أميناً يطمئنون إليه. لقد شعروا أن في تلافيفه حشداً من الإرادات الفردية المتنازعة إمكاناً، الملأى باحتمالات الفوضى. ويرى جاكوبسن انه بموجب هذا كان العراقي القديم يرى النظام الكوني متحققاً بجمع مستمر للارادات الكونية الفردية الكثيرة، كلها عاتٍ، وكلها رهيب. ولذلك جعل فهمه للكون يعبر عن نفسه في صورة الجمع والتوحيد بين الإرادات، أي رأى النظام الكوني نظاماً من الارادات– أي دولة. قد يبدو مما تقدم أن اللا وعي الجمعي للعراقيين قد أعدهم للتعامل مع عدم الاستقرار طوال تاريخهم المشحون بالعنف وجعلهم يغرمون منذ القدم بالدولة في نوع من الارتباط المازوخي. وإذا كانوا قديماً قد نظروا للكون بوصفه دولة تدار من قبل مجمع الآلهة فإنهم اليوم يتبعون حلما بأن تصبح دولتهم المعاصرة جزءاً صغيراً متوحداً ينساب في علاقات طبيعية ضمن سياق كون غامض.
جدل الدائم والمؤقت (لعنة التاريخ)
وحتى عندما مضى العراقيون اليوم قدماً في صنع وثيقة دائمة تعكس حقهم بدولة الاستقرار السياسي فإنهم ما يزالون يحملون الخوف القديم نفسه من أن يتعثروا مجدداً ويكتشفوا أن (الدائم) وهم ! لذا نجد لدى معظمنا نفوراً من كلمة (مؤقت) التي ارتبطت شرطياً في أذهاننا بعدم الاستقرار فتاريخنا السياسي الحديث خيم عليه شبح الدكتاتوريات العسكرية حتى نيسان 2004 وجاءت سلسلة من الدساتير المؤقتة سرعان ما كانت تركن على الرف لتمثل وضعاً مؤقتاً مشؤوماً. وحتى قانون إدارة الدولة لم يحمل الصفة المشؤومة (مؤقت) بل أطلقت عليه صفة (انتقالي) وليس (مؤقت) لتحاشي الانطباع القائم للمؤقت في الذاكرة الجمعية بل أذكر إنني شاهدت وجه أحد المتحدثين باسم أحد أعضاء مجلس الحكم يتشنج بالانفعال عندما تمت الإشارة إلى مجلس الحكم بصفة المؤقت وطالب بإسباغ صفة الانتقالي على المجلس بدلاً من المؤقت وكأن هذه الكلمة شتيمة وعار ينبغي أن لا تقترن بأي مؤسسة أو وثيقة رسمية. ولكن الحنين الثابت إلى رحم الاستقرار الأمومي يريد منا أن نبلغ العالم بأسره بأننا لن نكف عن استجماع قوانا للنهوض مجدداً ونؤسس دولة القانون (دولة الاستقرار السياسي) يقسر علينا وضعنا القلق سلسلة لا تنتهي من الاختيارات العشوائية. فما أحوجنا إلى نوع من الانتظام وبعض القدرة على توقع ما سيحدث وعلى أن يكف القائمون الدوليون بأمرنا عن النظر إلينا كما لو كنا فئران تجارب. يسألوننا في كل مكان ويحرجون العراقي في كل فرصة (وهم يضعون في أذهانهم النموذج اللبناني) ونحن لا نريد أن نقدم لأحد المعرفة السعيدة عما تعنيه الحياة في مكان لا يملك أحد فيه ما يكفي من السلطة ليحكم ! لكننا أيضا نريد أن نعلن لجميع المراقبين والمتشككين بأننا مثل جميع البشر في كل زمان ومكان، تتقاسمنا في آن واحد حاجة لا يمكن ردها إلى حد أدنى من النظام في الحياة وهذه الحاجة هي التي تقدم التبرير الأساسي لوجود الدولة ولتشريع القانون، ولتبرير حياتنا التي أصبحت وقودا للحروب والجرائم.
ماهية الاستقرار الذي نحن بحاجة إليه؟
نحن بحاجة للدولة العصرية المؤهلة دون غيرها لضبط حدود الحريات والحقوق وتوازن المصالح في مناخ يتسم بالأمن الجماعي والاستقرار السياسي. وليس بجديد القول أن حياتنا لا تستقيم بدون الأمن والتنمية ولا تحسن أحوالنا بدون الاستقرار الذي هو نتاج الأمن والتنمية فتوفير الأمن والتنمية، أي الاستقرار يعني توفير شروط إنسانية الإنسان العراقي كما يعني بالنسبة لدولتنا توفير شروط استمرار ونجاح الدولة العصرية. وقد تميزت الدولة الراسخة في التصنيع والتقدم والتمدن العريق بنعمة الاستقرار السياسي التي يفتقر إليها عراقنا المحظوظ بالكثير من أسباب عدم الاستقرار السياسي: - تاريخية، اقتصادية، سياسية، اجتماعية، ثقافية، قانونية، ودولية. وقد جر ذلك علينا الاضطرابات السياسية العنيفة والقمع الوحشي وانعدام السلم الاجتماعي والمدني وتعدد الولاءات والقيم والمرجعيات الوطنية وكثرة الصراعات والتناقضات. وفي مناخ كهذا اختفى التسامح والحوار وحل محله التعصب والتطرف وتفاقمت ظاهرة التفكك السياسي والتحلل الاجتماعي وأصبحت أجهزة الدولة مشلولة أو ضعيفة مما رشح اللجوء إلى ممارسة العنف أو الحرب الأهلية وصاعد من تأثير عدم الاستقرار في توقف التنمية والحياة المدنية وغياب الشرعية وفقدان الأمل.
مطلب الأمن العسير المنال
وقد كان الاستقرار في ظل النظام السابق يأخذ طابعاً بوليسياً مقيتاً وبعد إن انهارت القشرة الرقيقة لهذا الاستقرار المؤسس على توفير الأمن الكاذب لم يفعل غزو الولايات المتحدة للعراق شيئاً لاستعادة الاستقرار أو لتوفيره حيث حل العنف الطائش والعشوائي والتفجيرات الانتحارية واستحالة التنبؤ بيوم غد محل القمع الشمولي. وبدت ثمار الحرية التي قطفناها مرة وجافة في أفواهنا العطشة لما هو راسخ وحي من المؤسسات التي تشكل دولة الرفاه والقانون والحرية.
يشير كل من ستيفان هالبر وجوناثان كلارك في كتابهما المهم التفرد الأمريكي- المحافظون الجدد والنظام العالمي2004 إلى كيفية استيلاء المحافظين الجدد على صناعة القرار بشأن العراق مما أدى إلى استبعاد مشروع وزارة الخارجية لمستقبل العراق، فالإدارة الأمريكية كان لديها بالفعل خطة لعراق ما بعد الحرب حيث قامت وزارة الخارجية وسبع عشرة هيئة فيدرالية بجهد هائل يدعى (مشروع مستقبل العراق) شمل مئات العراقيين المنتمين إلى الفئات الأثنية والدينية العديدة في البلد ومجموعات عمل في موضوعات تمتد من الاقتصاد والزراعة إلى الهياكل الحكومية. وظهر في نهاية الأمر تقرير من ثلاثة عشر مجلدا. وقد توقع المشاركون العديد من المشاكل التي حلت في النهاية في عراق بعد الحرب، وعملوا على خطط لملء الفراغ الأمني واستعادة الخدمات وتهيئة المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية. ووضع المشروع استراتيجيات لكسب قلوب العراقيين وعقولهم عن طريق تحسين الظروف الحياتية وتأمينها كما شدد على التعاون مع التكنوقراط الموجودين في العراق لضمان تدفق الماء والكهرباء بدون انقطاع. ويشدد المؤلفان على تعمد وكيل وزارة الدفاع لشؤون السياسات في البنتاغون (دوغلاس فيث) وهو أحد المحافظين الجدد، وموظفيه، تجاهل خطة عمل وزارة الخارجية في العراق بعد الحرب التي استغرق أعدادها عاما كاملا وحالوا دون السماح لكبير المخططين في وزارة الخارجية توماس وأريك بالتوجه إلى العراق. وأشار المؤلفان إلى أن أريك كان قد وظف نحو 240 عراقيا في أوربا وأمريكا ممن لديهم خبرات في مجالات القانون الجنائي والاقتصاد والنفط وكانوا قد أعدوا مسودات لكل ناحية من نواحي إعادة الأعمار لكن قيادة المحافظين الجدد في البنتاغون فرقت عقدهم.[/b][/size]
الكون العراقي كدولة
ويجد جاكوبسن في البيئة التي نمت فيها حضارة وادي الرافدين تفسيراً لنشوء الذهنية العراقية التي تكاد لا تؤمن بالراحة والاستقرار، فالبيئة العراقية تتميز بعنصر من القسر والعنف لم تعرفه المدنيات القديمة، فدجلة والفرات يفيضان على غير انتظار أو انتظام فيحطمان سدود الإنسان ويغرقان مزارعه. وهناك رياح لاهبة تخنق المرء بغبارها وأمطارها عاتية تحول الصلب من الأرض إلى بحر من الطين وتسلب الإنسان حرية الحركة. فهنا في العراق كما يشرح جاكوبسن لا تضبط الطبيعة نفسها. أنها ببطشها تتحكم بمشيئة الإنسان وتدفعه إلى الشعور بتفاهته ازائها. وتجربة الطبيعة التي أوجدت هذه الحالة الذهنية جاء التعبير المباشر عنها في فكرة الكون لدى سكان ما بين النهرين، فعلى الرغم من أنهم رأوا في الكون نظاماً لا فوضى غير أن ذلك النظام لم يكن أميناً يطمئنون إليه. لقد شعروا أن في تلافيفه حشداً من الإرادات الفردية المتنازعة إمكاناً، الملأى باحتمالات الفوضى. ويرى جاكوبسن انه بموجب هذا كان العراقي القديم يرى النظام الكوني متحققاً بجمع مستمر للارادات الكونية الفردية الكثيرة، كلها عاتٍ، وكلها رهيب. ولذلك جعل فهمه للكون يعبر عن نفسه في صورة الجمع والتوحيد بين الإرادات، أي رأى النظام الكوني نظاماً من الارادات– أي دولة. قد يبدو مما تقدم أن اللا وعي الجمعي للعراقيين قد أعدهم للتعامل مع عدم الاستقرار طوال تاريخهم المشحون بالعنف وجعلهم يغرمون منذ القدم بالدولة في نوع من الارتباط المازوخي. وإذا كانوا قديماً قد نظروا للكون بوصفه دولة تدار من قبل مجمع الآلهة فإنهم اليوم يتبعون حلما بأن تصبح دولتهم المعاصرة جزءاً صغيراً متوحداً ينساب في علاقات طبيعية ضمن سياق كون غامض.
جدل الدائم والمؤقت (لعنة التاريخ)
وحتى عندما مضى العراقيون اليوم قدماً في صنع وثيقة دائمة تعكس حقهم بدولة الاستقرار السياسي فإنهم ما يزالون يحملون الخوف القديم نفسه من أن يتعثروا مجدداً ويكتشفوا أن (الدائم) وهم ! لذا نجد لدى معظمنا نفوراً من كلمة (مؤقت) التي ارتبطت شرطياً في أذهاننا بعدم الاستقرار فتاريخنا السياسي الحديث خيم عليه شبح الدكتاتوريات العسكرية حتى نيسان 2004 وجاءت سلسلة من الدساتير المؤقتة سرعان ما كانت تركن على الرف لتمثل وضعاً مؤقتاً مشؤوماً. وحتى قانون إدارة الدولة لم يحمل الصفة المشؤومة (مؤقت) بل أطلقت عليه صفة (انتقالي) وليس (مؤقت) لتحاشي الانطباع القائم للمؤقت في الذاكرة الجمعية بل أذكر إنني شاهدت وجه أحد المتحدثين باسم أحد أعضاء مجلس الحكم يتشنج بالانفعال عندما تمت الإشارة إلى مجلس الحكم بصفة المؤقت وطالب بإسباغ صفة الانتقالي على المجلس بدلاً من المؤقت وكأن هذه الكلمة شتيمة وعار ينبغي أن لا تقترن بأي مؤسسة أو وثيقة رسمية. ولكن الحنين الثابت إلى رحم الاستقرار الأمومي يريد منا أن نبلغ العالم بأسره بأننا لن نكف عن استجماع قوانا للنهوض مجدداً ونؤسس دولة القانون (دولة الاستقرار السياسي) يقسر علينا وضعنا القلق سلسلة لا تنتهي من الاختيارات العشوائية. فما أحوجنا إلى نوع من الانتظام وبعض القدرة على توقع ما سيحدث وعلى أن يكف القائمون الدوليون بأمرنا عن النظر إلينا كما لو كنا فئران تجارب. يسألوننا في كل مكان ويحرجون العراقي في كل فرصة (وهم يضعون في أذهانهم النموذج اللبناني) ونحن لا نريد أن نقدم لأحد المعرفة السعيدة عما تعنيه الحياة في مكان لا يملك أحد فيه ما يكفي من السلطة ليحكم ! لكننا أيضا نريد أن نعلن لجميع المراقبين والمتشككين بأننا مثل جميع البشر في كل زمان ومكان، تتقاسمنا في آن واحد حاجة لا يمكن ردها إلى حد أدنى من النظام في الحياة وهذه الحاجة هي التي تقدم التبرير الأساسي لوجود الدولة ولتشريع القانون، ولتبرير حياتنا التي أصبحت وقودا للحروب والجرائم.
ماهية الاستقرار الذي نحن بحاجة إليه؟
نحن بحاجة للدولة العصرية المؤهلة دون غيرها لضبط حدود الحريات والحقوق وتوازن المصالح في مناخ يتسم بالأمن الجماعي والاستقرار السياسي. وليس بجديد القول أن حياتنا لا تستقيم بدون الأمن والتنمية ولا تحسن أحوالنا بدون الاستقرار الذي هو نتاج الأمن والتنمية فتوفير الأمن والتنمية، أي الاستقرار يعني توفير شروط إنسانية الإنسان العراقي كما يعني بالنسبة لدولتنا توفير شروط استمرار ونجاح الدولة العصرية. وقد تميزت الدولة الراسخة في التصنيع والتقدم والتمدن العريق بنعمة الاستقرار السياسي التي يفتقر إليها عراقنا المحظوظ بالكثير من أسباب عدم الاستقرار السياسي: - تاريخية، اقتصادية، سياسية، اجتماعية، ثقافية، قانونية، ودولية. وقد جر ذلك علينا الاضطرابات السياسية العنيفة والقمع الوحشي وانعدام السلم الاجتماعي والمدني وتعدد الولاءات والقيم والمرجعيات الوطنية وكثرة الصراعات والتناقضات. وفي مناخ كهذا اختفى التسامح والحوار وحل محله التعصب والتطرف وتفاقمت ظاهرة التفكك السياسي والتحلل الاجتماعي وأصبحت أجهزة الدولة مشلولة أو ضعيفة مما رشح اللجوء إلى ممارسة العنف أو الحرب الأهلية وصاعد من تأثير عدم الاستقرار في توقف التنمية والحياة المدنية وغياب الشرعية وفقدان الأمل.
مطلب الأمن العسير المنال
وقد كان الاستقرار في ظل النظام السابق يأخذ طابعاً بوليسياً مقيتاً وبعد إن انهارت القشرة الرقيقة لهذا الاستقرار المؤسس على توفير الأمن الكاذب لم يفعل غزو الولايات المتحدة للعراق شيئاً لاستعادة الاستقرار أو لتوفيره حيث حل العنف الطائش والعشوائي والتفجيرات الانتحارية واستحالة التنبؤ بيوم غد محل القمع الشمولي. وبدت ثمار الحرية التي قطفناها مرة وجافة في أفواهنا العطشة لما هو راسخ وحي من المؤسسات التي تشكل دولة الرفاه والقانون والحرية.
يشير كل من ستيفان هالبر وجوناثان كلارك في كتابهما المهم التفرد الأمريكي- المحافظون الجدد والنظام العالمي2004 إلى كيفية استيلاء المحافظين الجدد على صناعة القرار بشأن العراق مما أدى إلى استبعاد مشروع وزارة الخارجية لمستقبل العراق، فالإدارة الأمريكية كان لديها بالفعل خطة لعراق ما بعد الحرب حيث قامت وزارة الخارجية وسبع عشرة هيئة فيدرالية بجهد هائل يدعى (مشروع مستقبل العراق) شمل مئات العراقيين المنتمين إلى الفئات الأثنية والدينية العديدة في البلد ومجموعات عمل في موضوعات تمتد من الاقتصاد والزراعة إلى الهياكل الحكومية. وظهر في نهاية الأمر تقرير من ثلاثة عشر مجلدا. وقد توقع المشاركون العديد من المشاكل التي حلت في النهاية في عراق بعد الحرب، وعملوا على خطط لملء الفراغ الأمني واستعادة الخدمات وتهيئة المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية. ووضع المشروع استراتيجيات لكسب قلوب العراقيين وعقولهم عن طريق تحسين الظروف الحياتية وتأمينها كما شدد على التعاون مع التكنوقراط الموجودين في العراق لضمان تدفق الماء والكهرباء بدون انقطاع. ويشدد المؤلفان على تعمد وكيل وزارة الدفاع لشؤون السياسات في البنتاغون (دوغلاس فيث) وهو أحد المحافظين الجدد، وموظفيه، تجاهل خطة عمل وزارة الخارجية في العراق بعد الحرب التي استغرق أعدادها عاما كاملا وحالوا دون السماح لكبير المخططين في وزارة الخارجية توماس وأريك بالتوجه إلى العراق. وأشار المؤلفان إلى أن أريك كان قد وظف نحو 240 عراقيا في أوربا وأمريكا ممن لديهم خبرات في مجالات القانون الجنائي والاقتصاد والنفط وكانوا قد أعدوا مسودات لكل ناحية من نواحي إعادة الأعمار لكن قيادة المحافظين الجدد في البنتاغون فرقت عقدهم.[/b][/size]