منتدى الثقافة والإبداع



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى الثقافة والإبداع

منتدى الثقافة والإبداع

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى الثقافة والإبداع

منتدى يتيح للشباب العربي التفسح بكل سهولة وإقتباس ما يريد من معارف


    إنقلاب الصخيرات

    عاشق الفزياء
    عاشق الفزياء
    Admin


    عدد المساهمات : 210
    تاريخ التسجيل : 27/02/2009
    العمر : 34

    إنقلاب الصخيرات Empty إنقلاب الصخيرات

    مُساهمة من طرف عاشق الفزياء الأربعاء مارس 11, 2009 6:31 am

    [size=18][font:e112=Arial Black][b][size=18][font=Arial Black][b][size=18][b]قبل انقلاب الصخيرات أردت أن أفاتح الحسن الثاني بموضوع أوفقير
    قال لي شاه إيران: أرجو أن ترفع الجامعة العربية يدها عن ملف الجزر الثلاث لأنه تدخل في شؤوننا
    في هذه الحلقة من حوارات «نصف قرن تحت مجهر السياسة» يتحدث عبد الهادي بوطالب عن الاسباب التي جعلته يبقى فترة قصيرة على رأس وزارة الخارجية المغربية، كما يتحدث عن تجربته كرئيس لمجلس النواب (البرلمان) هو الثاني من نوعه في تاريخ المغرب المستقل.
    ويروي بوطالب تفاصيل ما دار بينه وبين شاه ايران محمد رضا بهلوي خلال زيارة قام بها الى طهران، كما يتحدث عن زيادة نظرة الشك والريبة ازاء الجنرال محمد اوفقير، اضافة الى وصفه لاجواء قصر الصخيرات اثناء المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قادها كل من الجنرال محمد المذبوح والعقيد محمد عبابو.

    * الملاحظ أنك لم تُمضِ إلا فترة قصيرة في وزارة الخارجية. فما هي ظروف وخلفيات خروجك منها؟

    ـ كان السبب في خروجي من الخارجية هو تفكير الملك الحسن الثاني في أن أتولى رئاسة مجلس النواب الجديد. فقد قرر أن يوقف حالة الاستثناء وأدخل تغييرات على الدستور، وبمقتضاه انتُخِب مجلس النواب الجديد ولم تعد موجودة الغرفة الثانية كما كان عليه الحال في البرلمان الأول. وأصبح ثلثا المجلس ينتخبان بالاقتراع العام، أما الثلث الآخر فيتكون مما كان يتألف منه مجلس المستشارين المُلغَى أي أنه يُنتخب من هيئة ناخبة تتكون من المجالس البلدية والغرف المهنية والنقابات. وقد أعلنت أحزاب المعارضة أنها غير راضية عن بنود دستور 1970 الذي اعتبرته تراجعا عن دستور سنة 1962 وتتطلع إلى دستور أكثر ديمقراطية يُخوِّل اختصاصات أكثر للسلطات التنفيذية والتشريعية، إلا أن الملك الحسن الثاني أجرى الانتخابات وقاطعتها المعارضة. ودعاني ليقول لي: «أرجوك أن تخوض الانتخابات، وإني أتلمس فيك إن شاء الله إذا نجحت أن تكون رئيس مجلس النواب المقبل.

    * في أية دائرة خضتَ الانتخابات ؟

    ترشحت خارج الدار البيضاء وخارج مدينة المحمدية التي ترشحت فيها في انتخابات .1963 لقد ترشحت في مدينة الجديدة (جنوب الدار البيضاء).

    * ترشحتَ باسم أي حزب؟

    ـ ترشحت مستقلا أي غير منتم لأي حزب. فقانون الانتخابات آنذاك لم ينص على أن يتقدم المرشح في المكان الذي توجد فيه إقامته أو مكان عمله. كما أن الاقتراع كان اسميا فرديا. خُضتُ المعركة الانتخابية وزرت الجديدة وملحقاتها ثلاث مرات طيلة الحملة الانتخابية. ولم تكن مهمتنا صعبة، لأن أحزاب المعارضة قاطعت الانتخابات ورغم ذلك كان التنافس بين المرشحين شديدا. إذ كان هناك من ينتمون إلى أحزاب لا يعلنون انتماءهم إليها. كما تقدم للانتخابات آخرون مستقلون. وأذكر أن المحجوبي أحرضان الأمين العام للحركة الشعبية لم يترشح هو الآخر للانتخابات باسم حركته، لأن الأمر لم يكن يتعلق بانتخابات أحزاب، كما لم يكن يتعلق بانتخاب على اللائحة، وإنما كان الاقتراع اسميا فرديا. فأفسح المجال ليترشح كل من أراد في الجهة التي يرغب فيها. كان المحجوبي أحرضان نائبا في المجلس، وانتخبتُ من المجلس رئيسا بإجماع النواب، وكان للرئيس خمسة نواب، كما أن الرئيس والنواب وأعضاء مكتب المجلس كانوا يُنتخَبون لسنة واحدة يتجدد بعد انقضائها الانتخاب لمن يرغب فيه. فمارست مهمتي على رأس المجلس الذي نشأ في هذه الظروف الخاصة. وكنت مؤمنا بما أفعل رغم علمي أن التجربة كان ينقصها الكمال. ولكني كنت سعيدا بخروج المغرب من حالة الاستثناء التي سبق أن ذكرت لك موقفي إزاءها. وقلت في نفسي إن التجربة الجديدة رغم نقصانها تشكل عودة إلى الحياة الديمقراطية وهذا مكسب مهم. ونعيد المغرب إلى وضع دستوري هو على كل حال أفضل من وضع حالة الاستثناء التي نصحت ألا يدخل المغرب فيها.

    * أنت كسياسي لامع ومثقف ألمعي قبلتَ رئاسة برلمان قاطعته تقريبا جميع أحزاب المعارضة. ألم تشعر أن ما فعلته كان سياسيا عديم الفائدة؟

    ـ لم تكن عودة مجلس النواب إلى العمل من جديد عديمة الفائدة السياسية. لأن المغرب بذلك خرج من حالة الاستثناء التي طالت وعاد إلى التجربة الديمقراطية. وأعترف أن العودة لم تكن مكتمِلة كما سبق أن قلتُ لك. وكانت بها بعض الثغرات وزادتها ضعفا مقاطعة المشاركة فيها من لدن الأحزاب، لكن مع ذلك كنت أعتقد أنها مرحلة أفضل من مرحلة حالة الاستثناء.

    كنت أقوم بدوري كرئيس لبرلمان مستقل عن السلطة التنفيذية. وأذكر في هذا الصدد أنه كانت تقع بيني وبين صديقي وزميلي الدكتور أحمد العراقي الوزير الأول مساجلات سياسية وقانونية حول سلطات البرلمان وسلطات الحكومة. كنت أريد أن يقوم البرلمان بدوره الكامل في مساءلة الحكومة ومراقبتها وممارسة سلطة التشريع. وكنت أطبق مقتضيات القانون الداخلي للمجلس تطبيقا حرفيا وأضغط على الحكومة لتلتزم بمقتضياته. كان الوزير الأول أحمد العراقي يدافع عن سلط الجهاز الحكومي الذي يشرف عليه وكنت أدافع عن اختصاصات المجلس. وكان الملك يتابع هذه المساجلات من بعيد دون أن يتدخل، لأننا كنا نبعث نسخا من مراسلاتنا للإطلاع إلى السيد إدريس المحمدي المدير العام للديوان الملكي، فيُطْلِع عليها الملك دون أن يثير الملك مع أي واحد منا شأنها لأن الأمر يهم السلطتين التنفيذية والتشريعية.

    وأذكر أنه من بين ما حافظت به على هيبة المجلس أني اتفقت والوزير الأول على أن يمثل وزيرٌ في كل شهر الحكومة في مجلس النواب ليقوم بدور المنسق للعلاقات مع البرلمان، لأن الحكومة لم يكن لها وزير مكلف شؤون البرلمان.

    ومرة هاتفني الصديق أحمد العراقي قبل نصف ساعة من انعقاد جلسة البرلمان قائلا إنه يتعذر عليه أن يبعث وزيرا إلى البرلمان لأن جلسة البرلمان تصادف انعقاد مجلس وزاري، وطلب مني ألاّ أعقد الجلسة. فقلت له: «إن المجلس غير تابع للحكومة وهو الذي يحدد مواعيد جلساته، ومن واجب الحكومة أن يحضر ممثل عنها جلسات البرلمان في الموعد المحدد. فإن لم تستطيعوا القيام بواجبكم فعليكم تحمل مسؤوليات غيابكم. أما البرلمان فسينعقد بدون حضور الحكومة». وكان الأمر كذلك فلما علم الوزير الأول بذلك حتى بعث الوزير لمتابعة وقائع عمل المجلس. لم تفسد هذه المساجلات القانونية علاقات الود بيننا. وأتذكر هنا أننا دُعينا مرة إلى القصر الملكي لتناول طعام الغداء على مائدة الملك الحسن الثاني. وكان يوجد في المائدة الملكية خمسة أو ستة مدعوين كبار إلى جانب الملك ضمنهم رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة. وحينما وُضِعت الفاكهة على المائدة قال الملك الحسن الثاني: «هذه فاكهة جديدة ربما لم يتناولها أكثركم هذه السنة. وهناك مثل فرنسي يقول إذا همّ شخص أن يتناول فاكهة جديدة فلْينْوِ طيِّبا ليلقى وراء ذلك طيّبا ولكل واحد منكم أن ينوي ما شاء». وابتسم الملك الحسن الثاني مضيفا في نكتة لاذعة: «وأرجو أن لا ينوي كل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب أن يغلب كل واحد منهما الآخر في سجالهما الممتد».[/b][/font][/size]
    عاشق الفزياء
    عاشق الفزياء
    Admin


    عدد المساهمات : 210
    تاريخ التسجيل : 27/02/2009
    العمر : 34

    إنقلاب الصخيرات Empty رد: إنقلاب الصخيرات

    مُساهمة من طرف عاشق الفزياء الأربعاء مارس 11, 2009 6:34 am

    [size=18][b]وقبل أن تقترب ولايتي الأولى على رأس المجلس من نهايتها بنهاية السنة الأولى حيث يعاد انتخاب الرئيس لسنة أخرى إذا ترشح، علمت أن الملك الحسن الثاني بدأ اتصالات مع أحزاب المعارضة، وأنه قد يكون وعدها بتغيير الدستور إذا هي قبلت المشاركة في الحكومة. وقد يكون هناك وعد بأن تكون الانتخابات سابقة لأوانها، وأن يحل الملك مجلس النواب طبقا لاختصاصات الملك الدستورية.

    وقد تلقيت هذه الأنباء باستغراب وبرد فعل مزدوج. فمن جهة سيكون طيبا وجميلا أن تتعزز الديمقراطية بمكتَسَب عظيم هو العودة إلى إقامة برلمان تشارك فيه الحركات السياسية كلها، خاصة أن البرلمان الذي كنت أرأسه لم يكن يشارك فيه إلا المستقلون. ومن جهة أخرى قررت أن أربأ بنفسي ان أكون رئيس مجلس يتخذ الملك في حقه تدبير الحل، وهو إن كان تدبيرا دستوريا سليما فإنه سياسيا قاس وصعب. لذا أصبح لزاما عليَّ أن أسبق الأحداث، خاصة أني كنت دخلت مع الجنرال أوفقير معركة لا أقول ساخنة ولا حامية الوطيس، وإنما كانت نتيجة دسائس مبيَّتة كان الجنرال يسترها بمظاهر المجاملة والمودة والاحترام لشخصي، من خلال فتح بيته لأعضاء البرلمان واستضافتهم لاستقطابهم واحدا واحدا وجماعات جماعات لغاية أجهلها. وقيل لي إنه كان يفكر في أن يوعز لبعضهم بتأسيس حزب أو حركة سياسية عرض عليهم دعمها ماديا ومعنويا، وهو ما يعني أن اصطناع الأحزاب بدأ أيام أوفقير، أوفقير الذي قال لي ما قال بعد اجتماع قمة تلمسان مما تحدثت لك عنه قبل. وفاتحت أوفقير في موضوع استقباله للنواب وقلت له إن شائعات تروج مؤكدة أن أعضاء البرلمان يقصدون بيتك ويتوجهون منه إلى المجلس للتصويت بأمر وتوجيه منك. فقال: «لا أبدا: إنما تربطني فقط ببعضهم صداقة حميمة، لذا أنا أستقبلهم في بيتي بكل حرية وبدون خوض في السياسة».

    هكذا وجدت نفسي أمام تجربة برلمانية تُنسَف من تحتها عن طريق استقطاب النواب لحركة مجهولة لست أدري ما يراد منها، يواكب ذلك وجود اتصالات لم يُعلَن عنها بين الملك وأحزاب المعارضة لأجل إنهاء التجربة وانتخاب برلمان جديد.

    كانت رئاستي للبرلمان ستنتهي في بداية دورة أكتوبر 1971 أي مع اكتمال سنة على انتخابي رئيسا للمجلس، فقررت ألاَّ أرشح نفسي لرئاسته سنة أخرى للأسباب التي سبق أن ذكرتُها لك من جهة، وحفظا لكبريائي السياسي من جهة ثانية. لم أرد ان يكتب التاريخ عني أنني كنت رئيس برلمان طُردت منه بقرار ملكي بحل البرلمان. لقد نظرت إلى ذلك على أنه سيكون مسا بعملي السياسي وسيرهن مستقبله. وهكذا صممت بكل إصرار ألاَّ أطلب تمديد رئاستي للمجلس سنة أخرى وأن أنسحب منه قبل أن تلحقه الإهانة.

    * ألم تستشف من محاولة أوفقير استمالةَ النواب مدلولا سياسيا معيَّنا؟

    ـ استمالة أوفقير للنواب البرلمانيين واستقطابهم أثارا في نفسي المزيد من الشكوك حول تصرفات أوفقير. محاولة الاستقطاب سبقت تأليف الكتلة الوطنية مما جعلني أتساءل بعد تشكيلها ألم يكن أوفقير على علم بمشروع الكتلة الوطنية (حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية )، وكان يعمل لتأليف تجمع سياسي مضاد يستقطب فيه أعضاء مجلس النواب الذين كانت أكثريتهم غير منتمية.

    وظلت التأويلات تزدحم في ذهني وخلقت لديَّ جوا من الريبة بدأ ينمو منذ محادثتي في بيتي مع أوفقير التي تحدثت لك عنها. وسأحكي لك الآن كيف تضاعف جو الريبة عندي لأسباب موضوعية.

    خلال رئاستي للبرلمان تلقيت دعوة من مجلسي البرلمان الإيراني في عهد الشاه وشكلت وفدا برلمانيا ليرافقني إلى طهران. وقد طلبتُ من أعضاء الوفد أن يحضروا صباح يوم السفر إلى منزلي لتناول طعام الفطور لننطلق مباشرة إلى المطار. وكان موعد إقلاع الطائرة في الساعة العاشرة صباحا. وبينما أنا أستقبل أعضاء الوفد على الفطور، كان على خط الهاتف النائب في المجلس المحجوبي أحرضان: «أريد أن أراك باستعجال كبير قبل أن تسافر». فجاءني إلى البيت ولم يكن عضوا في الوفد المتوجه إلى طهران مع العلم أنه كان عضوا في المجلس».

    كان أحرضان قلِقا وطلب مني أن ينفرد بي مفضّلا أن نخرج إلى حديقة المنزل ربما لأنه كان يخشى من التَّنَصُّت على كلامنا. وقال: «أنت رجل سياسي وخبير وتفهم الأمور». وقد وقع لي إشكال ليلة أمس مع الجنرال أوفقير أريد أن أحدثك عنه: لقد فتح الجنرال أوفقير معي مِلَفا يُدين النظام، وأشار إلى أشياء لا أدري ما إذا كان اختلقها أم هي صحيحة، فقلت له بعدما سمعتُ منه إنه يتوجب علينا أن نعمل شيئا لإنقاذ الموقف، ونتصل بجلالة الملك لنطلعه على بعض ما قلتَ ونقوم بحركة تدارك فقال لي أوفقير باللغة الفرنسية: «اترك السفينة تغرق».

    لقد كنت كاتما سري مع أوفقير في قرارة نفسي ولم أرد أن أقول لأحرضان إنني سمعت من أوفقير كلاما شبيها بما قاله له. فاكتفيت بالجواب: «إن الامر يبقى عندي لغزا فدعني أفكر ولْنتحدث فيه حينما أعود من سفري».

    * كم كان يفصل من الوقت بين ما سمعتَه من أحرضان والمحاولة الانقلابية التي جَرتْ في قصر الصخيرات (ضواحي الرباط)؟

    ـ حوالي شهرين. وطيلة شهر ازداد إحساسي بشعور الريبة والمخاوف، وأصبحت أضع في نفسي تساؤلات عن لغز أوفقير حملتُها معي طول السفر.[/b][/font][/size][/b][/size]
    عاشق الفزياء
    عاشق الفزياء
    Admin


    عدد المساهمات : 210
    تاريخ التسجيل : 27/02/2009
    العمر : 34

    إنقلاب الصخيرات Empty رد: إنقلاب الصخيرات

    مُساهمة من طرف عاشق الفزياء الأربعاء مارس 11, 2009 6:37 am

    [size=18][b]لقد سافرت إلى إيران وكان في برنامجي ان يستقبلني الشاه في اليوم الثاني من وصولي على الساعة التاسعة صباحا بالقصر الأمبراطوري. وكان سفيرنا بطهران هو المهدي بن عبد الجليل. وكان أحد تلامذتي رفيقا لولي العهد (الملك الحسن الثاني) في المعهد الملكي. فسألني: «هل ترى أن أرافقك في زيارتك للشاه؟». فقلت له: «طبعا أنت سفير جلالة الملك ولا بد أن تكون بجانبي».

    كانت المهمة التي عهد بها إليَّ الملك الحسن الثاني لدى الشاه هي أن أبلغه رجاءه أن يحل بالحوار والتفاهم مشكلة الجزر الثلاث طنب الصغرى، وطنب الكبرى، وأبو موسى، موضوع النزاع بين الإمارات العربية المتحدة وإيران.

    وكان الملك الحسن الثاني قد قال لي أيضا: «عندما تنتهي من طرح موضوع الجزر قل له كلمتين طيبتين. قل له إنني متحير بين محبتي ومودتي له واحتفاظي بصداقته، وبين واجباتي كعربي مسؤول في الجامعة العربية متضامن مع دولها فيما يُنصف العرب في حقوقهم». وكان موضوع الخلاف على الجزر سيُطرح على جدول أعمال الجامعة العربية بالقاهرة.

    كان الشاه لَبِقا ودبلوماسيا ومتخلِّقا. استقبلني في الموعد المضبوط والساعةُ تدق التاسعة صباحا. وكان معروفا عنه ضبطه للمواعيد واستقبال ضيوفه بعناية فائقة استمع الشاه إليَّ. وكنا نتحدث باللغة الفرنسية في جو يعكس طبيعة المودة التي كانت تسود علاقة المغرب بإيران وعلاقة الشاه الحميمة بملك المغرب. وعندما وصلتُ إلى موضوع الإمارات بدت أمارة الغضب على ملامحه وقال لي متكلِّفا التودّد: «بلِّغ جلالة الملك محبتي ومودتي وتقديري. وقل له إن هذا شأن إيراني، وأني أرجو أن ترفع الجامعة العربية يدها عن هذا الملف وتكُفَّ عن تدخلها في شؤون إيران. كما أن الدول الخليجية لا تساوي عندي شيئا، فهي ليست من دول الأصالة ولا ماضي لها. وأنا قادر على أن أمحو من الخارطة في ظرف ربع ساعة أكبرها وأعظمها قوة. أي العراق».

    ومن خلال ما قاله الشاه أصبحت أفهم مبلغ التناحر القائم تاريخيا بين إيران والعراق، وأنه لم يكن بسبب قيام الثورة الاسلامية، وإنما يرجع إلى خلفيات قديمة. (أقول لك هذا وأعود إلى موضوع أوفقير).

    في ليلة نفس اليوم بعدما حضرنا مأدبة العشاء التي أقامها البرلمان الإيراني على شرف رئيس مجلس النواب المغربي رافقني إلى الفندق السفير بن عبد الجليل الذي حضر معي استقبال الشاه. وقال لي: «أستاذي هل يمكنني أن أنفرد بك بعض الدقائق؟». وكان أول ما قاله لي: «هل تثقون في الجنرال أوفقير؟». قلت: «لماذا هذا السؤال؟». فردَّ قائلا «لأنني لاحظت أنه عندما جاء إلى طهران ضيفا على الشاه وعلى جهاز السافاك (المخابرات الإيرانية) أطال البقاء هنا حوالي 20 يوما. وحمل معه حقائب مملوءة بالهدايا ذات قيمة مالية خيالية. وأنا الذي أخرجتها من الجمارك وكان عددها يتجاوز مائة حقيبة. كما أن أوفقير كان يقضي معظم أوقاته يوميا مع رجال المخابرات الإيرانية (السافاك) ومع الشاه في خلواته». وانتهى بن عبد الجليل إلى وضع هذا التساؤل: «ألا تدرون ماذا يدبِّر هذا الرجل؟

    وكانت هذه هي المرة الثالثة التي سمعت فيها ما سمعت عن أوفقير وتردد فيها السؤال التي كنتُ وضعتُه على نفسي: «ماذا يُدَبِّر الرجل ؟» وفضلت ألاَّ أبوح بشيء للسفير بن عبد الجليل كما فعلتُ مع أحرضان قبل توجهي إلى إيران. واكتفيت بنُصحي إياه: «انْسَ هذا الموضوع. ربما يكون أوفقير جاء إلى طهران في مهمة أُذِن له فيها أن يفعل ما فعل. انْسَ هذا الموضوع وامحه من ذاكرتك».

    وغادرت طهران في اليوم التالي. وفي الطائرة كنت أقول في نفسي: «يظهر أنه حان الوقت لأفاتح جلالة الملك بموضوع أوفقير وأضع عني حمله الثقيل». لكنني تنبهت إلى أن الملك قد يواجه أوفقير بما قلتُه له، وسأكون بذلك قد عجلت بنحري. فقد كان أوفقير قادرا على كل شيء.

    وحينما وصلت إلى الرباط حدثت الملك الحسن الثاني عما دار بيني وبين الشاه، إلا أنني لم أُثِرْ معه موضوع أوفقير.

    وبفعل هذه العوامل مجتمعةً ازدادت عندي الهواجس بأننا نعيش في المغرب على فوهة بركان أو على كف عفريت. وازداد عندي إحساس بأن شيئا ما يُدَبَّر سياسيا وربما أخطر من ذلك.

    * حينما وقعت المحاولة الانقلابية في قصر الصخيرات. كنتَ ما زلتَ رئيسا للبرلمان وكنتَ موجودا في قصر الصخيرات إلى جانب المدعوين لحفل الاستقبال بمناسبة عيد ميلاد الملك (42). فهل لك أن تحدثني عن تفاصيل المحاولة وأجوائها كما عايشتَها؟

    ـ كان للملك الحسن الثاني حاشية خاصة تنتظم حوله في بعض أوقات الفراغ حيث يتحلل من الطقوس المراسمية. كانت هذه الحاشية تتناول معه الغداء وأحيانا العشاء وترافقه في أوقات الرياضة وإلى ملعب الكولف كما ترافقه في الرحلات والأسفار داخل المغرب وخارجه. وكان لي الشرف أن أكون ضمنها. وكان يوليني هذه الالتفاتة في أي منصب كنت فيه، وحتى عندما كنت مديرا عاما للمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (إيسيسكو) في وضعية ديبلوماسي طيلة أزيد من عشر سنوات كان رحمه الله يعتبرني وزيره أو مستشاره. وكان يحرص على أن آخذ مكاني قريبا منه مع مستشاري جلالته وليس بين أعضاء السلك الديبلوماسي.

    وكان منتظَرا أن تقام ليلة 9يوليو ( تموز)1971حفلة موسيقية ساهرة بمناسبة عيد الشباب، أي ليلة عيد ميلاد الملك. وجاءتنا الدعوات من التشريفات (المراسم) الملكية لحضورها بقصر الصخيرات غير بعيد عن القصر الملكي بالرباط، ودعوة أخرى لحضور حفل الغداء بقصر الصخيرات أيضا في اليوم الموالي. وكانت جرت العادة في السنوات السابقة أن نأتي إلى مثل هذا الحفل بلباس خفيف بدون رباطة عنق. ـ فيوم عيد الشباب هو يوم الترفيه والتحلل من القيود الرسمية ـ وأن يسبق حفلَ الغداء ترفيهُ المدعوّين عن أنفسهم بما يشاءون من سباحة في بحر الصخيرات أو في مسبح القصر أو دردشة لتزْجِية الفراغ.

    وتميزت ليلة 9 يوليو بحفل موسيقي جمع لأول مرة أقطاب الفن والغناء في العالم العربي وكان من بينهم محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ، وصباح، وفريد الاطرش، وعفاف راضي وآخرون وأخريات. وكانت ليلة موسيقية انعقدت فيها قمة الطرب العربي. وللملك مواهب عظيمة في مجالات خاصة لا يعرفها الناس لكن تعرفها حاشيته الخاصة. كان يعزف على أكثر من آلة موسيقية، وأحيانا يتدخل ويوجه الجوقة الموسيقية بنفسه ويتحكم في أدائها حتى تتناغم الألحان بدون أن يكون فيها لحن نَشاز، فيتحول الملك بكل ذلك إلى «مايسترو» عملاق في تلك الليلة تأخر تقديم العَشاء الى ما بعد الساعة الواحدة والنصف صباحا، وخرجنا من قصر الصخيرات ما بين الساعة الثانية والنصف والثالثة صباحا.

    وفي صباح اليوم الموالي توجهت إلى قصر الصخيرات. وبمجرد ما وصلت إليه ذهبت للسباحة في المسبح، فوجدت محمد الفاسي وأحمد بن سودة وآخرين من رجال الدولة والمدعوين يسبحون. وعندما حل وقت الغَداء جاءني رئيس التشريفات الملكية الطيب بنونة الذي أصبح فيما بعد سفيرا للمغرب في سورية، وقال لي «الأستاذ عبد الهادي لكم مكان محجوز في مائدة جلالة الملك مع الوزير الأول». ذلك أنه بحكم «البروتوكول» كان رئيس البرلمان هو رابع شخصية في البلد بعد الملك وولي العهد والوزير الأول. وبما أنني كنت أرتدي لباسا خفيفا قلت للسيد بنونة: «أظن أنه يُسْتحسَن في هذا اليوم أن لا نتقيد بالبروتوكول». فقال لي: «لا. هناك سبب آخر يُلزِمكم أن تجلسوا في مائدة جلالة الملك، إذ يوجد فيها صديقكم الحبيب بورقيبة (الابن) الذي حضر إلى المغرب خصيصا للمشاركة في عيد الشباب». فقلت له: «مهما كان الحال ـ أرجوك ـ دعنا اليوم نتخلص من البروتوكول». وبعد لحظات أخذ المدعوون يتناولون الطعام من «البوفيه» الممتد على ساحة القصر. وقيل إن الملك الحسن الثاني لم يكن قد فتح رسميا «البوفيه». فكان بعض العاملين في البروتوكول الملكي يلاحظون على بعض الحضور أنهم تسابقوا إلى الموائد قبل أن يفتتح الملك الغَداء الرسمي.

    بعد ذلك تناولت صحنا ووضعت فيه بعض الطعام وتوجهت أبحث عن مائدة فوجدت بإحدى الموائد صديقين هما أحمد باحنيني الوزير الأول السابق ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، والحبيب الشطي وكان آنذاك سفيرا لتونس في الرباط فأخذت مكاني بينهما. وقد كان بيني وبين الشطي رحمه الله تقليد أصبح عادة بيننا أن يقدم لي بعد الأكل ـ كلما التقينا في حفل غَداء ـ سيجارا كوبيا بحكم أنه كان غاويا للسيجار الجيد.

    وبينما نحن جالسون لاحظت شخصين يعملان في البرلمان (كانا مُكلفَيْن المحاسبة) يجلسان أمامي في مائدة على مقربة منا. فقلت للسيدين الشطي وباحنيني: «دعاني أذهب للسلام عليهما وأعود». وما أن تخطيت المائدة التي كنت أجلس فيها حتى دخل عدد وفير من الجند وبدأوا في إطلاق الرصاص وطرح القنابل اليدوية. وفي التوِّ رأيت باحنيني يسقط تحت الرصاص جثة هامدة على المائدة التي كنت جالسا فيها، بينما نجا الشطي من الموت بأعجوبة.

    في تلك اللحظة أصابتني شظية خلف ساقي وجرحتني جرحا مؤلما، لكنني لم أهتمَّ بالجرح لأنني رأيت الكثير من الضحايا يسقطون وتتكاثر أعدادهم بحسب عدد الطلقات التي كان الجنود يصوّبونها إلى ضحاياهم أو يرسلونها بصفة عشوائية.

    بعد ذلك أخد الجنود يلاحقوننا برشاشاتهم دون أن يُطلقوا علينا النار، ثم سحبونا إلى أسفل القصر حتى نزلنا إلى شاطىء البحر، لأن قصر الصخيرات كان يتكون من الجناح الملكي حيث توجد سكنى الملك، ومن ملحقات كان بها مكتبه وقاعة الاستقبال ومكاتب الموظفين الذين كانوا ينتقلون من الرباط إلى الصخيرات كلما حل الملك بالصخيرات. كما كان خلف هذه المباني شاطئ البحر الخاص بالملك وضيوفه.

    آنذاك التفتَ إليَّ الأمير الحسن بن المهدي سفير المغرب في لندن والخليفة السابق للسلطان في المنطقة الشمالية إبان الاستعمار الإسباني، وسألني بلهجة مشرقية: «أستاذ عبد الهادي حَصَلْ إيه؟» فقلت له: «الخبر ما ترى لا ما تسمع».

    كان الجرح يؤلمني لدرجة أن السروال الذي كنت أرتديه تعقَّد عليه الدم الذي كان يتقاطر من خلف ركبتي المصابة بالشَّظِيّة. فوقعت على الأرض، وكنت أضع على عيني نظارتين شمسيتين، فسقطت عند سقوطي على الأرض وسط الرمال زجاجة من زجاجتي النظارة وبقيت نظارتي بزجاجة واحدة وأصبحت شبيها «بموشي دايان» إلا أن دايان كان يصرع ضحاياه من العرب ويعرف ما يريد، وأنا كنت أصارع قوتي المنهارة متربصا المجهول وعيناي سليمتان.

    في تلك الأثناء كنا جماعة شققنا لنا منفذا إلى شاطئ البحر حيث كانت توجد كومة كبيرة من الرمال فغُصْنا في أعماقها إلى الرأس توقيا من شظايا القنابل التي كانت تُلقَى عشوائيا. وكان من بين الحاضرين من فروا على الأقدام عبر شاطىء البحر ليلجؤا إلى فندق «إيمفيتريت» المجاور للقصر. أما أكثرية الحاضرين في المجزرة فقد ظلوا مطوَّقين وكنت من بين هؤلاء.[/b][/size]
    عاشق الفزياء
    عاشق الفزياء
    Admin


    عدد المساهمات : 210
    تاريخ التسجيل : 27/02/2009
    العمر : 34

    إنقلاب الصخيرات Empty رد: إنقلاب الصخيرات

    مُساهمة من طرف عاشق الفزياء الأربعاء مارس 11, 2009 6:40 am

    [size=18][b]وعندما جاء الجنود لغزو الشاطئ وأحدقوا بنا من الخلف ونحن في الرمال مُشهِرين رشاشاتهم في وجوهنا وأعطوا الأمر لنا بالعودة إلى ساحة القصر، وجدناها مغطاة بجثث الموتى. واضطُرّ بعضنا إلى المشي فوقها. ما أزال أذكر المنظر الوحشي المريع الذي التقتطته أعيننا: جثة «مَخْزَني» من أعوان القصر هامدة مطروحة على الأرض وأضراسها تعض على قطعة لحم مشوي لم يتمكن من ابتلاعها، والعينان جاحظتان. لقد عشنا ساعة وصفها الله بأبلغ بيان في القرآن عن المجاهدين في غزوة أحد بقوله: «إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم. وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا».

    طلب منا الجنود أن ننبطح على الأرض رافعين أذرعنا إلى السماء. ولم تكن الأرض تَسَعُنا للانبطاح فوقها. فعلونا بعضُنا فوق ظهر بعضنا. ووجدت نفسي فوق ظهر عبد اللطيف الفيلالي الذي كان بدوره يعلو ظهر محمد الشرقاوي (لتُركَبُّن طَبَقا عن طَبُق). كانت أنفاسنا مخنوقة ولا نستطيع أن نتهامس خشية أن نستفز بهمساتنا الجنود. فقد كانت هناك طلقات طائشة، وكان يمكن أن تتحول في كل لحظة إلى طلقات مصوَّبة هادفة. وما هي إلا لحظات حتى بدأ الضباط بالنداء على بعض الشخصيات الذي كنا نسمعه عبر مكبّر الصوت ونحن في وضعنا الغريب. وكان أول المُنادى عليهم هو الجنرال بولْـحِمص عامل (محافظ) الدار البيضاء، فأردوه في الحين قتيلا، ونادوا على أسماء أخرى فأطلقوا النار وكان النداء بالاسم والمجيب يرد «حاضر» ويقف لتطلق عليه النار ويسقط قتيلا. ثم نادوا على العقيد أحمد الدليمي (مدير الأمن العام) إلا أنه لم يَرُدّ على النداء. ولاحظت أن الضباط لم ينادوا على الجنرال أوفقير. وبحكم وجودي في أعلى طبقة وقعت عيني خلسة على الجنرال محمد المذبوح الذي سبق لي أن تحدثت لك عن رفقته إياي عندما توجهنا في مهمة إلى الجزائر أثناء حرب الرمال عند الرئيس بن بلاّ. فقلت للذين كانوا منبطحين تحتي ولا يرون ما يجري «يظهر أن قائد هذه العملية هو الجنرال المذبوح». فقد رأيته يعطي الأوامر للآخرين بعد ذلك قال لي البعض ممن كانوا أقرب مني إلى القيادة مدبرة الانقلاب إن الشخص الذي كان يتخاطب مع المذبوح هو الكولونيل (العقيد) محمد عبابو. ويظهر أن عبابو كان عنيدا في موقفه وأنه هو الذي كان يرأس العملية لذا أطلق الرصاص على المذبوح بعدما ذهب هذا الأخير يفاوض الملك الحسن الثاني ويخبره أن الانقلابيين لا يطالبونه بالتنازل عن العرش، وإنما يرغبون في التفاوض معه. وكان جواب الملك أنه لا يرفض ذلك شريطة أن يتم وقف إطلاق النار وإراقة الدماء في الحين. كما قيل إن المذبوح رجع إلى عبابو ليخبره أنه نجح في مهمته لدى الملك فاعتبر العقيد عبابو الجنرال المذبوح خائنا وأطلق عليه النار فأرداه قتيلا.

    * هل رأيتَ الملك بعد بدء إطلاق النار؟

    ـ لا. لم أَرَه. لقد كنت بعيدا منه وكان في آخر ركن من ساحة القصر. والضباط الانقلابيون والجنود دخلوا من الباب الرئيسي وأطلقوا النار على من وجدوهم قريبين من الباب. وأنا لم أجلس في المائدة الملكية كما قلت لك سالفا وأصابتني الشَّظِية بعيدا عن مجلس الملك.

    * كيف تطورت الأمور؟

    ـ بقينا منبطحين على الأرض إلى أن طلب منا الجنود أن نخرج رافعين أيدينا عبر الباب الرئيسية إلى ما وراء القصر. وهناك توالت النداءات على بعض الأشخاص الذين إما كانوا يُعتقَلون أو يُقتَلون.

    * ما هي طبيعة الأشخاص الذين كان يُنادَى عليهم ؟

    ـ أغلبهم من قادة الجيش. ولكني كنت أنتظر في كل لحظة أن ينادَى عليَّ إذا ما نُودي على كبار المسؤولين المدنيين، خاصة وقد كنت الرجل الرابع في الدولة. كما كنت أنتظر أيضا أن ينادوا على الوزير الأول. فهم إذا ما كانوا يرغبون في تصفية المخلصين للنظام فأنا وهو لا محالة سنكون في طليعتهم. فوَّضْتُ أمري لله سبحانه وتعالى وقرأت آيات من الذكر الحكيم. وكان سني آنذاك 47 سنة. فهجس في نفسي هذا الخاطر: «إن والدي توفي وعمره 83 عاما وأنا عمري الآن 47 عاما وعشت هذه السنوات أكثر مما عاش والدي سنواته الثلاث والثمانين لأنه لم يعش ما عشته ولم يعرف ما عرفتُه، ولم يَنْعَم بخير الحياة أو ذاق من شرها مثلما نَعِمْت بها أو ذقتُ أنا. فماذا يَضيرني إن مت الآن؟ كما أن أولادي أخذوا يكبَرون وسيشُقُّون بعون الله طريقهم. وختمت هذه الخواطر بشهادة «لا إلاه إلا اله محمد رسول الله». ووضعت يدي على قلبي وأصبحت مستعدا لكل شيء وتحولت إلى قطعة من جليد. وفي هذه اللحظة ازددت إيمانا بالخالق ووثوقا باستجابته دعواتي. ووعيت منذ ذلك ما يعطيه الله لعباده من نعمة سابغة إذا ألهمهم قوة الإيمان.

    كان بجانبي لما خرجنا إلى الساحة الخارجية للقصر القاضي محمد الفاسي الذي عمل معي كاتبا عاما (وكيلا للوزارة) ومديرا لديواني لما كنت وزيرا للعدل حينما سمعنا صوتا يقول باللغة الفرنسية: «نحن ذاهبون إلى الرباط لنحتلّ الإذاعة والتلفزيون. وعلى جميع الضباط والجنود أن يبقوا في مكانهم هنا. فإذا لم نرجع في الساعة السابعة مساء أطلقوا الرصاص على كل الراكعين». وقال أحدهم باللغة الفرنسية أيضا: «ليس لدينا ما يكفي من الذخيرة لقتل هؤلاء جميعا». فجاء الأمر العسكري يقول: «دوسوهم واسحقوهم جميعا بالشاحنات».

    بقينا على هذا الوضع مُتَرَبِّصِين أن نُقتل بالرصاص أو نُداس بالشاحنات إلى أن سمعنا من بعيد ـ بعد مرور ما يقرب من ساعة ـ مجموعة من الناس يقرأون سورة «الفاتحة» وآخرين يهتفون: «عاش الملك». فسألت جاري محمد الفاسي: «تُرى من بايعوا ؟». فما جاء في بالي أن يـُحيّوا الملك الحسن الثاني وهم الذين عملوا للانقلاب عليه. فقال الفاسي: «لاشك أنهم بايعوا أحدا ما». كانت أصوات الضباط والجنود ترتفع مردِّدة: «يحيا الملك. عاش الملك». وبعد ذلك عرفنا أن الملك كانت له الجرأة ليخرج إلى ساحة القصر وبرفقته الجنرال أوفقير لأنه كان بجانبه على مائدة الغداء وبقي إلى جانبه حينما بدأ إطلاق النار. ويبدو أن الضباط والجنود الذين كانوا يطلقون النار بدَوْا عندما شاهدوا الملك الحسن الثاني وكأنهم استيقظوا من كابوس مخيف. فقال لهم الملك كلمة مهدِّئة وطلب منهم أن يقرؤا الفاتحة معه. ولما انتهوا من قراءتها بدؤوا يصيحون: «يحيا الملك».

    * كيف تفسر هذا التغير في موقف الضباط والجنود المهاجمين لقصر الصخيرات حينما رأوا الملك؟

    ـ تقول جميع الروايات إن الجنود والضباط الذين جاؤوا إلى قصر الصخيرات قادمين من معسكر هُرْمُومُّو (رباط الخيل حاليا) قيل لهم إن الملك في خطر، وأنه تعرض لمؤامرة، وأن عليهم أن يذهبوا إلى قصره للقضاء على المتمردين الذين احتلوا قصره. وقيل أيضا إنهم أُعطُوا مخُدِّرا قبل أن يتوجهوا للقصر. وفعلا كنت ألاحظ ـ كلما سرقتُ نظرة إليهم ـ احمرارا غير عادي في عيون بعض الضباط والجنود. ولما رأوا الملك تبين لهم أنه ليس في خطر. وإذ ذاك أعطى الملك السلطات كاملة للجنرال أوفقير الذي انصرف إلى الرباط «ليسهر على سلامتها».

    * في نفس اللحظة؟

    ـ نعم في نفس اللحظة. وفيها نفسها ارتدى الجنرال أوفقير لباس الميدان بعد أن جاء إلى القصر ببذلة عادية مثل جميع الحاضرين. ولما توضحت الصورة وقفتُ بصعوبة وأخذت أمشي بخطوات غير ثابتة من أثر جرح الركبة فإذا بالدكتور كوسوفار (وكان طبيبا مشهورا بالرباط) يأخذني إلى سيارته وأنا مُتَّكِئ عليه في اتجاه مستشفى ابن سيناء في الرباط حيث كان الجرحى بالمئات. وهناك قدَّم إليَّ الأطباء إسعافات لإيقاف النزيف ووضعوا على الجرح ضمادة. وتولىَّ إسعافي خاصة صديقي الدكتور عبد اللطيف بربيش (أمين سر أكاديمية المملكة المغربية) وكان يعمل بالمستشفى أستاذا بكلية الطب. وعلمت إذ ذاك أن محمد بن الحسن الوزاني زعيم حزب الشورى والاستقلال كان في غرفة أخرى وأن عضده قد بتُر بشظايا أصابته، فذهبت لعيادته ووجدته متجلدا صبورا محتسبا إلى الله أمره.

    ومن باب الاحتياط نصحني أحد أعضاء ديواني في رئاسة البرلمان ألا أبيت في منزلي تلك الليلة. وطلب مني أن أنام عنده في بيته الذي يوجد في حي شعبي لا يُلفِت النظر لتواضعه لأن الأمور لم تنته بعد، والمتمردين قد يهجمون على بيتي.

    لم تكن أسرتي على علم بمكان وجودي طيلة الليلة إذ اكتفيْتُ بالاتصال بها هاتفيا دون أن تعلم أين أُوجَد. فزوجتي وأولادي كانوا في حالة من الذعر والرعب كان جميع ما حدث يُبرِّرها.[/b][/size][/b][/size]

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 13, 2024 3:16 pm