[size=18][font:e112=Arial Black][b][size=18][font=Arial Black][b][size=18][b]قبل انقلاب الصخيرات أردت أن أفاتح الحسن الثاني بموضوع أوفقير
قال لي شاه إيران: أرجو أن ترفع الجامعة العربية يدها عن ملف الجزر الثلاث لأنه تدخل في شؤوننا
في هذه الحلقة من حوارات «نصف قرن تحت مجهر السياسة» يتحدث عبد الهادي بوطالب عن الاسباب التي جعلته يبقى فترة قصيرة على رأس وزارة الخارجية المغربية، كما يتحدث عن تجربته كرئيس لمجلس النواب (البرلمان) هو الثاني من نوعه في تاريخ المغرب المستقل.
ويروي بوطالب تفاصيل ما دار بينه وبين شاه ايران محمد رضا بهلوي خلال زيارة قام بها الى طهران، كما يتحدث عن زيادة نظرة الشك والريبة ازاء الجنرال محمد اوفقير، اضافة الى وصفه لاجواء قصر الصخيرات اثناء المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قادها كل من الجنرال محمد المذبوح والعقيد محمد عبابو.
* الملاحظ أنك لم تُمضِ إلا فترة قصيرة في وزارة الخارجية. فما هي ظروف وخلفيات خروجك منها؟
ـ كان السبب في خروجي من الخارجية هو تفكير الملك الحسن الثاني في أن أتولى رئاسة مجلس النواب الجديد. فقد قرر أن يوقف حالة الاستثناء وأدخل تغييرات على الدستور، وبمقتضاه انتُخِب مجلس النواب الجديد ولم تعد موجودة الغرفة الثانية كما كان عليه الحال في البرلمان الأول. وأصبح ثلثا المجلس ينتخبان بالاقتراع العام، أما الثلث الآخر فيتكون مما كان يتألف منه مجلس المستشارين المُلغَى أي أنه يُنتخب من هيئة ناخبة تتكون من المجالس البلدية والغرف المهنية والنقابات. وقد أعلنت أحزاب المعارضة أنها غير راضية عن بنود دستور 1970 الذي اعتبرته تراجعا عن دستور سنة 1962 وتتطلع إلى دستور أكثر ديمقراطية يُخوِّل اختصاصات أكثر للسلطات التنفيذية والتشريعية، إلا أن الملك الحسن الثاني أجرى الانتخابات وقاطعتها المعارضة. ودعاني ليقول لي: «أرجوك أن تخوض الانتخابات، وإني أتلمس فيك إن شاء الله إذا نجحت أن تكون رئيس مجلس النواب المقبل.
* في أية دائرة خضتَ الانتخابات ؟
ترشحت خارج الدار البيضاء وخارج مدينة المحمدية التي ترشحت فيها في انتخابات .1963 لقد ترشحت في مدينة الجديدة (جنوب الدار البيضاء).
* ترشحتَ باسم أي حزب؟
ـ ترشحت مستقلا أي غير منتم لأي حزب. فقانون الانتخابات آنذاك لم ينص على أن يتقدم المرشح في المكان الذي توجد فيه إقامته أو مكان عمله. كما أن الاقتراع كان اسميا فرديا. خُضتُ المعركة الانتخابية وزرت الجديدة وملحقاتها ثلاث مرات طيلة الحملة الانتخابية. ولم تكن مهمتنا صعبة، لأن أحزاب المعارضة قاطعت الانتخابات ورغم ذلك كان التنافس بين المرشحين شديدا. إذ كان هناك من ينتمون إلى أحزاب لا يعلنون انتماءهم إليها. كما تقدم للانتخابات آخرون مستقلون. وأذكر أن المحجوبي أحرضان الأمين العام للحركة الشعبية لم يترشح هو الآخر للانتخابات باسم حركته، لأن الأمر لم يكن يتعلق بانتخابات أحزاب، كما لم يكن يتعلق بانتخاب على اللائحة، وإنما كان الاقتراع اسميا فرديا. فأفسح المجال ليترشح كل من أراد في الجهة التي يرغب فيها. كان المحجوبي أحرضان نائبا في المجلس، وانتخبتُ من المجلس رئيسا بإجماع النواب، وكان للرئيس خمسة نواب، كما أن الرئيس والنواب وأعضاء مكتب المجلس كانوا يُنتخَبون لسنة واحدة يتجدد بعد انقضائها الانتخاب لمن يرغب فيه. فمارست مهمتي على رأس المجلس الذي نشأ في هذه الظروف الخاصة. وكنت مؤمنا بما أفعل رغم علمي أن التجربة كان ينقصها الكمال. ولكني كنت سعيدا بخروج المغرب من حالة الاستثناء التي سبق أن ذكرت لك موقفي إزاءها. وقلت في نفسي إن التجربة الجديدة رغم نقصانها تشكل عودة إلى الحياة الديمقراطية وهذا مكسب مهم. ونعيد المغرب إلى وضع دستوري هو على كل حال أفضل من وضع حالة الاستثناء التي نصحت ألا يدخل المغرب فيها.
* أنت كسياسي لامع ومثقف ألمعي قبلتَ رئاسة برلمان قاطعته تقريبا جميع أحزاب المعارضة. ألم تشعر أن ما فعلته كان سياسيا عديم الفائدة؟
ـ لم تكن عودة مجلس النواب إلى العمل من جديد عديمة الفائدة السياسية. لأن المغرب بذلك خرج من حالة الاستثناء التي طالت وعاد إلى التجربة الديمقراطية. وأعترف أن العودة لم تكن مكتمِلة كما سبق أن قلتُ لك. وكانت بها بعض الثغرات وزادتها ضعفا مقاطعة المشاركة فيها من لدن الأحزاب، لكن مع ذلك كنت أعتقد أنها مرحلة أفضل من مرحلة حالة الاستثناء.
كنت أقوم بدوري كرئيس لبرلمان مستقل عن السلطة التنفيذية. وأذكر في هذا الصدد أنه كانت تقع بيني وبين صديقي وزميلي الدكتور أحمد العراقي الوزير الأول مساجلات سياسية وقانونية حول سلطات البرلمان وسلطات الحكومة. كنت أريد أن يقوم البرلمان بدوره الكامل في مساءلة الحكومة ومراقبتها وممارسة سلطة التشريع. وكنت أطبق مقتضيات القانون الداخلي للمجلس تطبيقا حرفيا وأضغط على الحكومة لتلتزم بمقتضياته. كان الوزير الأول أحمد العراقي يدافع عن سلط الجهاز الحكومي الذي يشرف عليه وكنت أدافع عن اختصاصات المجلس. وكان الملك يتابع هذه المساجلات من بعيد دون أن يتدخل، لأننا كنا نبعث نسخا من مراسلاتنا للإطلاع إلى السيد إدريس المحمدي المدير العام للديوان الملكي، فيُطْلِع عليها الملك دون أن يثير الملك مع أي واحد منا شأنها لأن الأمر يهم السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وأذكر أنه من بين ما حافظت به على هيبة المجلس أني اتفقت والوزير الأول على أن يمثل وزيرٌ في كل شهر الحكومة في مجلس النواب ليقوم بدور المنسق للعلاقات مع البرلمان، لأن الحكومة لم يكن لها وزير مكلف شؤون البرلمان.
ومرة هاتفني الصديق أحمد العراقي قبل نصف ساعة من انعقاد جلسة البرلمان قائلا إنه يتعذر عليه أن يبعث وزيرا إلى البرلمان لأن جلسة البرلمان تصادف انعقاد مجلس وزاري، وطلب مني ألاّ أعقد الجلسة. فقلت له: «إن المجلس غير تابع للحكومة وهو الذي يحدد مواعيد جلساته، ومن واجب الحكومة أن يحضر ممثل عنها جلسات البرلمان في الموعد المحدد. فإن لم تستطيعوا القيام بواجبكم فعليكم تحمل مسؤوليات غيابكم. أما البرلمان فسينعقد بدون حضور الحكومة». وكان الأمر كذلك فلما علم الوزير الأول بذلك حتى بعث الوزير لمتابعة وقائع عمل المجلس. لم تفسد هذه المساجلات القانونية علاقات الود بيننا. وأتذكر هنا أننا دُعينا مرة إلى القصر الملكي لتناول طعام الغداء على مائدة الملك الحسن الثاني. وكان يوجد في المائدة الملكية خمسة أو ستة مدعوين كبار إلى جانب الملك ضمنهم رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة. وحينما وُضِعت الفاكهة على المائدة قال الملك الحسن الثاني: «هذه فاكهة جديدة ربما لم يتناولها أكثركم هذه السنة. وهناك مثل فرنسي يقول إذا همّ شخص أن يتناول فاكهة جديدة فلْينْوِ طيِّبا ليلقى وراء ذلك طيّبا ولكل واحد منكم أن ينوي ما شاء». وابتسم الملك الحسن الثاني مضيفا في نكتة لاذعة: «وأرجو أن لا ينوي كل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب أن يغلب كل واحد منهما الآخر في سجالهما الممتد».[/b][/font][/size]
قال لي شاه إيران: أرجو أن ترفع الجامعة العربية يدها عن ملف الجزر الثلاث لأنه تدخل في شؤوننا
في هذه الحلقة من حوارات «نصف قرن تحت مجهر السياسة» يتحدث عبد الهادي بوطالب عن الاسباب التي جعلته يبقى فترة قصيرة على رأس وزارة الخارجية المغربية، كما يتحدث عن تجربته كرئيس لمجلس النواب (البرلمان) هو الثاني من نوعه في تاريخ المغرب المستقل.
ويروي بوطالب تفاصيل ما دار بينه وبين شاه ايران محمد رضا بهلوي خلال زيارة قام بها الى طهران، كما يتحدث عن زيادة نظرة الشك والريبة ازاء الجنرال محمد اوفقير، اضافة الى وصفه لاجواء قصر الصخيرات اثناء المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قادها كل من الجنرال محمد المذبوح والعقيد محمد عبابو.
* الملاحظ أنك لم تُمضِ إلا فترة قصيرة في وزارة الخارجية. فما هي ظروف وخلفيات خروجك منها؟
ـ كان السبب في خروجي من الخارجية هو تفكير الملك الحسن الثاني في أن أتولى رئاسة مجلس النواب الجديد. فقد قرر أن يوقف حالة الاستثناء وأدخل تغييرات على الدستور، وبمقتضاه انتُخِب مجلس النواب الجديد ولم تعد موجودة الغرفة الثانية كما كان عليه الحال في البرلمان الأول. وأصبح ثلثا المجلس ينتخبان بالاقتراع العام، أما الثلث الآخر فيتكون مما كان يتألف منه مجلس المستشارين المُلغَى أي أنه يُنتخب من هيئة ناخبة تتكون من المجالس البلدية والغرف المهنية والنقابات. وقد أعلنت أحزاب المعارضة أنها غير راضية عن بنود دستور 1970 الذي اعتبرته تراجعا عن دستور سنة 1962 وتتطلع إلى دستور أكثر ديمقراطية يُخوِّل اختصاصات أكثر للسلطات التنفيذية والتشريعية، إلا أن الملك الحسن الثاني أجرى الانتخابات وقاطعتها المعارضة. ودعاني ليقول لي: «أرجوك أن تخوض الانتخابات، وإني أتلمس فيك إن شاء الله إذا نجحت أن تكون رئيس مجلس النواب المقبل.
* في أية دائرة خضتَ الانتخابات ؟
ترشحت خارج الدار البيضاء وخارج مدينة المحمدية التي ترشحت فيها في انتخابات .1963 لقد ترشحت في مدينة الجديدة (جنوب الدار البيضاء).
* ترشحتَ باسم أي حزب؟
ـ ترشحت مستقلا أي غير منتم لأي حزب. فقانون الانتخابات آنذاك لم ينص على أن يتقدم المرشح في المكان الذي توجد فيه إقامته أو مكان عمله. كما أن الاقتراع كان اسميا فرديا. خُضتُ المعركة الانتخابية وزرت الجديدة وملحقاتها ثلاث مرات طيلة الحملة الانتخابية. ولم تكن مهمتنا صعبة، لأن أحزاب المعارضة قاطعت الانتخابات ورغم ذلك كان التنافس بين المرشحين شديدا. إذ كان هناك من ينتمون إلى أحزاب لا يعلنون انتماءهم إليها. كما تقدم للانتخابات آخرون مستقلون. وأذكر أن المحجوبي أحرضان الأمين العام للحركة الشعبية لم يترشح هو الآخر للانتخابات باسم حركته، لأن الأمر لم يكن يتعلق بانتخابات أحزاب، كما لم يكن يتعلق بانتخاب على اللائحة، وإنما كان الاقتراع اسميا فرديا. فأفسح المجال ليترشح كل من أراد في الجهة التي يرغب فيها. كان المحجوبي أحرضان نائبا في المجلس، وانتخبتُ من المجلس رئيسا بإجماع النواب، وكان للرئيس خمسة نواب، كما أن الرئيس والنواب وأعضاء مكتب المجلس كانوا يُنتخَبون لسنة واحدة يتجدد بعد انقضائها الانتخاب لمن يرغب فيه. فمارست مهمتي على رأس المجلس الذي نشأ في هذه الظروف الخاصة. وكنت مؤمنا بما أفعل رغم علمي أن التجربة كان ينقصها الكمال. ولكني كنت سعيدا بخروج المغرب من حالة الاستثناء التي سبق أن ذكرت لك موقفي إزاءها. وقلت في نفسي إن التجربة الجديدة رغم نقصانها تشكل عودة إلى الحياة الديمقراطية وهذا مكسب مهم. ونعيد المغرب إلى وضع دستوري هو على كل حال أفضل من وضع حالة الاستثناء التي نصحت ألا يدخل المغرب فيها.
* أنت كسياسي لامع ومثقف ألمعي قبلتَ رئاسة برلمان قاطعته تقريبا جميع أحزاب المعارضة. ألم تشعر أن ما فعلته كان سياسيا عديم الفائدة؟
ـ لم تكن عودة مجلس النواب إلى العمل من جديد عديمة الفائدة السياسية. لأن المغرب بذلك خرج من حالة الاستثناء التي طالت وعاد إلى التجربة الديمقراطية. وأعترف أن العودة لم تكن مكتمِلة كما سبق أن قلتُ لك. وكانت بها بعض الثغرات وزادتها ضعفا مقاطعة المشاركة فيها من لدن الأحزاب، لكن مع ذلك كنت أعتقد أنها مرحلة أفضل من مرحلة حالة الاستثناء.
كنت أقوم بدوري كرئيس لبرلمان مستقل عن السلطة التنفيذية. وأذكر في هذا الصدد أنه كانت تقع بيني وبين صديقي وزميلي الدكتور أحمد العراقي الوزير الأول مساجلات سياسية وقانونية حول سلطات البرلمان وسلطات الحكومة. كنت أريد أن يقوم البرلمان بدوره الكامل في مساءلة الحكومة ومراقبتها وممارسة سلطة التشريع. وكنت أطبق مقتضيات القانون الداخلي للمجلس تطبيقا حرفيا وأضغط على الحكومة لتلتزم بمقتضياته. كان الوزير الأول أحمد العراقي يدافع عن سلط الجهاز الحكومي الذي يشرف عليه وكنت أدافع عن اختصاصات المجلس. وكان الملك يتابع هذه المساجلات من بعيد دون أن يتدخل، لأننا كنا نبعث نسخا من مراسلاتنا للإطلاع إلى السيد إدريس المحمدي المدير العام للديوان الملكي، فيُطْلِع عليها الملك دون أن يثير الملك مع أي واحد منا شأنها لأن الأمر يهم السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وأذكر أنه من بين ما حافظت به على هيبة المجلس أني اتفقت والوزير الأول على أن يمثل وزيرٌ في كل شهر الحكومة في مجلس النواب ليقوم بدور المنسق للعلاقات مع البرلمان، لأن الحكومة لم يكن لها وزير مكلف شؤون البرلمان.
ومرة هاتفني الصديق أحمد العراقي قبل نصف ساعة من انعقاد جلسة البرلمان قائلا إنه يتعذر عليه أن يبعث وزيرا إلى البرلمان لأن جلسة البرلمان تصادف انعقاد مجلس وزاري، وطلب مني ألاّ أعقد الجلسة. فقلت له: «إن المجلس غير تابع للحكومة وهو الذي يحدد مواعيد جلساته، ومن واجب الحكومة أن يحضر ممثل عنها جلسات البرلمان في الموعد المحدد. فإن لم تستطيعوا القيام بواجبكم فعليكم تحمل مسؤوليات غيابكم. أما البرلمان فسينعقد بدون حضور الحكومة». وكان الأمر كذلك فلما علم الوزير الأول بذلك حتى بعث الوزير لمتابعة وقائع عمل المجلس. لم تفسد هذه المساجلات القانونية علاقات الود بيننا. وأتذكر هنا أننا دُعينا مرة إلى القصر الملكي لتناول طعام الغداء على مائدة الملك الحسن الثاني. وكان يوجد في المائدة الملكية خمسة أو ستة مدعوين كبار إلى جانب الملك ضمنهم رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة. وحينما وُضِعت الفاكهة على المائدة قال الملك الحسن الثاني: «هذه فاكهة جديدة ربما لم يتناولها أكثركم هذه السنة. وهناك مثل فرنسي يقول إذا همّ شخص أن يتناول فاكهة جديدة فلْينْوِ طيِّبا ليلقى وراء ذلك طيّبا ولكل واحد منكم أن ينوي ما شاء». وابتسم الملك الحسن الثاني مضيفا في نكتة لاذعة: «وأرجو أن لا ينوي كل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب أن يغلب كل واحد منهما الآخر في سجالهما الممتد».[/b][/font][/size]