من طرف عاشق الفزياء السبت مارس 07, 2009 4:50 pm
[size=18][b]إن هذه الآراء ( الفلسفية المتنازعة ) جميعها تشترك في شيء واحد: إنها تفهم الوجود على أنه شيء ما يواجهني بوصفه موضوعا يقف بمعزل عني أثناء تفكيري فيه هذه الظاهرة الأساسية في وعينا هي بالنسبة إلينا واضحة بذاتها لدرجة أننا لا نكاد نرتاب في اللغز الذي تمثله لأننا لا نحاول أن نتفحصه. إن الشيء الذي نفكر فيه و نتحدث عنه دائما شيء مختلف عنا إنه الموضوع الذي نتجه إليه باعتبارنا ذاتا.
فإذا جعلنا أنفسنا داخل موضوع تفكيرنا فإننا نصبح نحن أنفسنا "الآخر", و مع ذلك نظل في الوقت نفسه "أنا " مفكرة تفكر في نفسها, و لكنها لا تستطيع أن تفكر كما ينبغي باعتبارها موضوعا لأنها هي التي تحدد موضوعية الموضوعات جميعا, و نحن نطلق على هذا الشرط الأساسي بالقسمة الثنائية إلي ذات وموضوع, وما دمنا متيقظين واعين فإننا نواجهها دائما.
و سواء التوينا أو احتلنا ما شاء لنا الالتواء والاحتيال فإننا واقعون دائما في هذه الثنائية, متجهون دائما نحو موضوع سواء أكان هذا الموضوع هو واقع إدراكنا الحسي أو تصور للموضوعات المثالية, مثل الأعداد والأشكال الهندسية, أو كان توهما, أو حتى تخيلا محالا, إذ تواجهنا الأشياء دائما من الداخل والخارج على السواء تلك الأشياء التي هي مضمون وعينا. فليس ثمة موضوعا بلا ذات أو ذات بلا موضوع كما قال شوبنهاور.
كارل يسبرس: سبيل إلي الحكمة
***
البحث عن المصدر لا يؤسس: إنه يربك ما ندركه ثابتا و يجزئ ما نراه حدا أية قناعة قد تصمد بعد هذا... ؟ نستطيع أن نقول أن المصدر مشدود إلي الجسد و مندرج في منظومته العصبية و في مزاجه و جهازه الهضمي... و ضمن الجسم و خوره أمور موروثة عن أسلاف اقترفوا أخطاء فعندما يحملون النتائج محمل الأسباب و يعتقدون بعالم آخر غير هذا العالم أو يصطنعون قيمة الخلود, أجساد أبنائهم هي التي تدفع الثمن.
إن الجبن والنفاق كلاهما نتيجة من نتائج الخطأ لا بالمعنى السقراطي القائل بأن الشر ثمرة الجهل و لا بمعنى ما يقال من انحراف عن الحقيقة الأصلية, بل إن الجسم يحمل في حياته و مماته, في لحظات قوته وضعفه الجزاء الذي يترتب عن كل حقيقة أو خطأ مثلما يحمل بالمقابل مصدره. لماذا أبدع الناس الحياة التأملية؟ و لماذا أولوا هذا النوع من الوجود قيمة علياء ؟ و لماذا عزوا إلي التخيلات المستقاة منه حقيقة مطلقة ؟ يمكن أن نقول عندما تخور قوى الفرد و يحس أنه مريض أو متعب أو محزون أو مظلوم وعاطل بصورة مؤقتة عن كل رغبة سرعان ما يتحول إلى رجل أفضل يصبح أقل خطرا و يمكن لأفكاره المتشائمة ألا تصاغ في قوالب من التأملات يتحول بعدها إلي مفكر و سيعمل خياله في تطوير معتقده الخرافي.
قد نعثر فوق الجسد على آثار الحوادث الماضية, لأن الرغبات والإخفاقات منه تتولد و فيه تتعقد عراها ثم تختفي بغتة, بل فيه أيضا تنحل لتدخل في صراع تتلاشى بعده في أثر بعضها, الجسد ساحة لتسجيل الحوادث وتبديدها: إنه المكان الذي تفكك فيه الأنا التي تحاول أن تمنحه شعورا زائفا بوحدة جوهرية إنه حجم يخضع دائما لتفتت مستديم و الجينيالوجيا باعتبارها تحليلا للمصدر تجد نفسها في حال تلاحم مع الجسد و التاريخ. عليها أن تبين أن الجسد ينقشه التاريخ و يخربه التاريــــــــخ.
مـيشال فــوكــو: جينيالوجيا المعرفة
***
مهما يكن فبصفتنا باحثين عن المعرفة, يحسن بنا أن لا نكون جاحدين تجاه مثل هذه المحاولات التي تقلب آفاق النظر عاليها سافلها, فضلا عن قلبها للتقديرات الشائعة التي طالما جعلت الفكر يغتاظ من نفسه, دون فائدة تذكر و بصورة مستنكرة: لكن رؤية الأمور بصورة مغايرة إرادة المرء في أن يرى الأمور على نحو آخر ليست علما بسيطا ساذجا, أو إعدادا ناقصا يهيأ الذهن لـ" موضوعيته " العتيدة ـ على أن تفهم هذه الموضوعية لا بمعنى " التأمل المجرد " ( فهذا لا معنى له إنه سخافة) بل بما هي ملكة تمكن الذهن من إبقاء ما له و ما عليه ضمن نطاق صلاحياته وتجعله يتصرف عند الحاجة على نحو يمكنه من استخدام هذا التنوع خدمة للمعرفة بما في ذلك آفاق النظر والتأويلات التي تشوبها الميول والأهواء.
فلنلتزم من الآن فصاعدا جانب اليقظة والحذر, حضرات الفلاسفة, حيال تخريف بعض المفاهيم القديمة الخطيرة, هذا التخريف الذي ابتدع " ذاتا عارفة، ذاتا محضا، لا إرادة لها، ولا ألم، ولا تخضع لزمان " ولنحترس من أن تمسنا مجسات بعض المقولات المتناقضة, من نوع " العقل المحض " و " الروحانية المطلقة " و " المعرفة بذاتها ": فهنا يطالب البعض منا دائما أن نفكر بعين لا يمكن تخيلها على الإطلاق بعين ينبغي بأي ثمن أن لا يكون لنظرتها أي اتجاه بعين تكون وظائفها العملية والتفسيرية مقيدة أو غائبة والحال أنه ليس ثمة ما يوفر لفعل النظر موضوعه إلا هي. يطلب منا البعض أن تكون العين شيئا أخرق سخيفا بيد أنه ليس ثمة وجود إلا لرؤية من زاوية معينة لمعرفة من منظور معين و ذلك هو كمال الموضوعية.
نيتشه : جينيالوجيا الأخلاق
المقالة الثالثة الفقرة 12
***
هناك انطباع سائد أنه بمجرد أن قام الإنسان كتشكيل وضعي في حيز المعرفة, كان لابد وأن يزول امتياز الفكر الذي يفكر في ذاته, و كان أن تمكن, ثمة, فكر موضوعي من أن يغطي الإنسان بأكمله وأن يكشف فيه ما لم يكن ليصل إليه فكره أو حتى وعيه, أوليات غامضة, مساحات مظلمة... أطلق عليها مباشرة أو مواربة اسم اللاوعي. أو ليس اللاوعي ما يقع حتما تحت الفكر العلمي الذي يحمله الإنسان في ذاته عندما يكف عن تذكر ذاته ؟
في الواقع لم يكن الوعي, وبنوع عام كل أشكال اللامفكر المكافأة المعطاة لمعرفة وضعية للإنسان.
فالإنسان واللامفكر هما على المستوى الأركيلوجي متعامدان. لم يستطع الإنسان أن يكون موضوعا في الإبستمية دون أن يكشف الفكر في الوقت نفسه في داخله و خارجه معا. في هوامشه و صميم نسيجه بالذات جانب مظلم وعمقا يبدو جامدا يغرق فيه, ولا مفكرا يحتويه الفكر بكامله, و لكنه مع ذلك يقع في الوقت نفسه في شراكه. لا يسكن اللامفكر تحت أي اسم كان بل هو بالنسبة للإنسان هو الآخر: الآخر الأخوي أو التوأم, المولود لا منه و لا فيه بل هو إلى جانبه في الوقت ذاته هو في تجدد ممثل لذاته في ازدواجية لا تنقض إن تلك النسخة المظلمة التي يحلو اعتبارها منطقة لجية من طبيعة الإنسان أو قلعة محصنة من تاريخه ترتبط بطريقة مختلفة تماما فهي خارجية و ضرورية في آن بالنسبة إليه. و على أية حال قام اللامفكر بالنسبة للإنسان مقام اللحن المصاحب له الصامت و غير المنقطع, وبما أنه ليس سوى نظير ملحاح, لم يفكر به يوما بشكل مستقل.
ميشال فوكو: الكلمات و الأشياء
*** [/size][/b][/size]