[b][b]لماذا لا نتغير؟ سؤال قد يلح علينا جميعا. فنحن إذا نظرنا إلي العالم من حولنا, أي من أكثر الدول تقدما وغني مثل أمريكا وأوروبا الغربية إلي تلك المتوسطة كحال دول أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية, أو حتي الصغيرة أو النامية من آسيا إلي إفريقيا, فسنجد فروقات- تكون أحيانا هائلة- بين معدلات التغيير وإيقاعها ومداها وتلاحقها في أغلب تلك الحالات وبين مثيلاتها في منطقتنا, أي منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد المجتمعات العربية الإسلامية.
صحيح أنه في كثير من اللحظات والفترات التاريخية والسياسية المختلفة تتزايد دعوات التغيير والتي عادة ما تصاحبها عملية تسمي' الحراك السياسي والاجتماعي' تزيد من توقعات هذا التغيير, إلا أنها( وفي معظم الحالات) سرعان ما تخفت حتي تتلاشي تقريبا وتتراجع معها عملية الحراك فتتثاقل خطواتها أو تضل طريقها الصحيح.
ولا شك في أن الإجابة علي ذلك السؤال المحوري( لماذا لا نتغير؟) تختلف أو يكون لها أكثر من زاوية للاقتراب منها قد تصح كلها أو بعضها. ولكن في كل الأحوال, فإن التركيز علي زاوية منها لا ينفي غيرها.
والزاوية التي يركز عليها هذا المقال إنما تتعلق بالثقافة السياسية السائدة, فالتغيير يرتبط بحيوية المجتمع وقدرته علي إنتاج واستيعاب قيم التغيير. ويبرز هنا ما تقوم به النخب السياسية والمثقفة ومدي مساهمتها في عمليات التنوير باستخدام الوسائل أو الوسائط التثقيفية والإعلامية المختلفة. وفي هذا الإطار, يأتي الدور المحوري الذي يلعبه الإعلام كأداة رئيسية للتثقيف والتنشئة السياسية ونشر القيم في المجتمع ككل.
فالإعلام ينظر إليه عادة علي أنه مرآة للحياة السياسية والثقافية في أي مجتمع من المجتمعات من حيث ارتقاؤها أو تدهورها وتدنيها وبالتالي فإنه يعكس طبيعة المناخ السياسي السائد ومدي نضجه وتطوره وأيضا طبيعة سياساته وبنيته التشريعية والقانونية. ولذلك, فإن مدي ليبرالية أو شمولية( انفتاح أو انغلاق) الثقافة العامة والسياسية يلعب دورا محوريا في تشكيل طبيعة الرسالة الإعلامية ويؤثر فيها, إيجابا أو سلبا. ولكن من ناحية ثانية وفي مقابل تلك النظرة, فإن الإعلام ليس مجرد مرآة عاكسة للأحوال السائدة, وإنما هو عامل أساسي للتغيير, أي لإعادة تشكيل الوعي السياسي والرأي العام وخلق ثقافة سياسية ومجتمعية جديدة تتحدي ثقافة' الوضع القائم' وتكون قادرة علي تحريك الجمود وهز الثوابت السلبية واقتحام قضايا جديدة قد تكون خلافية ولا تنسجم مع ما يعرف بالتوجه السائد(Mainstream).
من ناحية ثالثة, قد يعد الإعلام أيضا أداة رئيسية للنظم غير الديمقراطية أو التي تمر بمراحل انتقال مختلفة لإحداث التعبئة الشعبية أو الجماهيرية, وبالتالي للاستخدام والتوظيف السياسي لضمان سيادة أو تكريس ثقافة شمولية أو لا ديمقراطية, أو ما يعرف' بالصوت الواحد'. وهو الأمر الذي عرفته عديد من النظم الشمولية, سواء الشيوعية أو الفاشية أو النازية في عهود ماضية, ثم ورثت جوانب منه العديد من النظم السلطوية في العالم النامي.
ولذلك, ربما كان أصعب قطاع في عملية التحول الديمقراطي الليبرالي هو ذلك القطاع بالتحديد أي الإعلام إن لم يكن الأصعب علي الإطلاق, فالإعلام قد يكون أداة للتقدم والتنوير أو علي العكس أداة للتأخر وبث الأفكار المتخلفة في المجتمع.
إن جوهر تلك القضية يتعلق بطبيعة دور النخبة, فهي القائمة علي الإعلام( سواء كان عاما أو خاصا) في النهاية, وهي التي تصوغ بدورها الرسالة الإعلامية. فجميع الدول التي عرفت التقدم وأخرجت شعوبها من حالة التخلف والجمود قامت بذلك من خلال دور نخبها الفكرية. فلننظر كيف كانت أوروبا في عصورها الوسطي, وماذا أصبحت عليه الآن, وكيف أصبحت أمريكا خلال عقدين من الزمان أكبر قوة علي الساحة العالمية, وكيف تطورت اليابان هذا التطور المذهل لتصبح في مقدمة القوي الاقتصادية والتكنولوجية في العالم. وأيضا الصين والهند ودول جنوب شرق آسيا, كذلك الكثير من دول أمريكا اللاتينية مثل البرازيل والمكسيك والأرجنتين حتي بات منظرو النظام الدولي الحديث يضعونها في مصاف الدول المنافسة علي المكانة الدولية المرموقة, والتي تنذر بتغيير شكل النظام العالمي وتحويله إلي نظام متعدد الأقطاب. إن هذا التقدم وليد علم وعمل وليس صراخا ونحيبا أو هجاء وهدما' للآخر' أي آخر, سواء كان هذا الآخر في الداخل أو الخارج. كما أن المكانة الدولية والإقليمية لا تكتسب إلا بالتفوق والتميز والإنجاز الداخلي.
والسؤال هو: هل دور النخبة لدينا هو التنوير وبث الوعي وجذب المجتمع وقيادة الجماهير إلي الأمام لتحلق بركب التقدم ؟ أم هي تعمل علي تكريس التخلف وإثارة الجماهير واللعب علي اكتساب شعبية تبدو رخيصة تفتقد الحد الأدني من العقلانية والمسئولية ؟.
لا يحتاج أي محلل سياسي لجهد كبير ليخلص إلي النتيجة الثانية, فأغلب وسائل الإعلام( مقروءة ومرئية) إنما تنحاز إلي الشكل الثاني, والصورة باتت مزمنة بل ومرضية أيضا. إن ذلك الشكل أو الاتجاه الثاني هو ما اصطلح علي تسميته بالاتجاه' الشعبوي' بالمعني السلبي, إذ لا يعني بالضرورة الالتصاق بالشعوب والتعبير عن مصالحها, بقدر ما يعني اللعب علي مشاعرها وخلق وعي زائف لا يساعد علي من أزماتها ومشاكلها وإنما يكرس تأخرها ومعاناتها. وقد عانينا من تلك' الشعبوية' السلبية إبان هزيمة1967 المريرة التي لعب الإعلام التعبوي الموجه, قبلها وأثناءها وبعدها, الدور الرئيسي فيها, حيث يوصف هذا النوع الدعائي من الإعلام بكونه إعلاما مضللا و'مخدرا' ربما يسمع الناس ما يريدون أن يسمعوه ليستمتعوا به لحظات ثم يدفعوا ثمنه غاليا, ربما عمرا بأكمله. ومن السهل التعرف علي ملامح تلك الرسالة الإعلامية' الشعبوية' فهي رسالة لابد أن تكون موجهة أساسا ضد( الخارج) باعتباره المسئول عن كل المصائب والكوارث التي تحل بالعالمين العربي الإسلامي, وبالتالي فإن الإنجاز الوحيد هنا يكون ببث الكراهية والعداء ضده لتكون تلك هي الأداة الوحيدة لتأكيد الذات, ولا مانع من أن تصبح تلك هي معركة البحث عن الهوية وعنوان' النضال' من أجلها! رغم أنها قد لا تعكس في النهاية إلا الشعور بالضعف إزاء' الآخرين' الأقوياء المتقدمين. ويكفي استعراض بعض الأمثلة البسيطة مؤخرا, مثل مسألة' الحذاء' الذي وجه إلي الرئيس الأمريكي الذي أضحي هدفا إعلاميا ضخما للإثارة الجماهيرية. وبالمنطق نفسه, جاء الهجوم الإعلامي المكثف علي شيخ الأزهر لمصافحته الرئيس الإسرائيلي في مؤتمر عنوانه وهدفه هو الحوار بين الأديان والثقافات! إن الدلالة الواضحة هنا هو أن الاعلام العربي لم يعد قادرا علي احتمال أي مناقشة عقلانية أو موضوعية أو افساح المجال لأي رأي أو وجهة نظر أو موقف أو تصرف مغاير لما هو' سائد'.
صحيح أنه في كثير من اللحظات والفترات التاريخية والسياسية المختلفة تتزايد دعوات التغيير والتي عادة ما تصاحبها عملية تسمي' الحراك السياسي والاجتماعي' تزيد من توقعات هذا التغيير, إلا أنها( وفي معظم الحالات) سرعان ما تخفت حتي تتلاشي تقريبا وتتراجع معها عملية الحراك فتتثاقل خطواتها أو تضل طريقها الصحيح.
ولا شك في أن الإجابة علي ذلك السؤال المحوري( لماذا لا نتغير؟) تختلف أو يكون لها أكثر من زاوية للاقتراب منها قد تصح كلها أو بعضها. ولكن في كل الأحوال, فإن التركيز علي زاوية منها لا ينفي غيرها.
والزاوية التي يركز عليها هذا المقال إنما تتعلق بالثقافة السياسية السائدة, فالتغيير يرتبط بحيوية المجتمع وقدرته علي إنتاج واستيعاب قيم التغيير. ويبرز هنا ما تقوم به النخب السياسية والمثقفة ومدي مساهمتها في عمليات التنوير باستخدام الوسائل أو الوسائط التثقيفية والإعلامية المختلفة. وفي هذا الإطار, يأتي الدور المحوري الذي يلعبه الإعلام كأداة رئيسية للتثقيف والتنشئة السياسية ونشر القيم في المجتمع ككل.
فالإعلام ينظر إليه عادة علي أنه مرآة للحياة السياسية والثقافية في أي مجتمع من المجتمعات من حيث ارتقاؤها أو تدهورها وتدنيها وبالتالي فإنه يعكس طبيعة المناخ السياسي السائد ومدي نضجه وتطوره وأيضا طبيعة سياساته وبنيته التشريعية والقانونية. ولذلك, فإن مدي ليبرالية أو شمولية( انفتاح أو انغلاق) الثقافة العامة والسياسية يلعب دورا محوريا في تشكيل طبيعة الرسالة الإعلامية ويؤثر فيها, إيجابا أو سلبا. ولكن من ناحية ثانية وفي مقابل تلك النظرة, فإن الإعلام ليس مجرد مرآة عاكسة للأحوال السائدة, وإنما هو عامل أساسي للتغيير, أي لإعادة تشكيل الوعي السياسي والرأي العام وخلق ثقافة سياسية ومجتمعية جديدة تتحدي ثقافة' الوضع القائم' وتكون قادرة علي تحريك الجمود وهز الثوابت السلبية واقتحام قضايا جديدة قد تكون خلافية ولا تنسجم مع ما يعرف بالتوجه السائد(Mainstream).
من ناحية ثالثة, قد يعد الإعلام أيضا أداة رئيسية للنظم غير الديمقراطية أو التي تمر بمراحل انتقال مختلفة لإحداث التعبئة الشعبية أو الجماهيرية, وبالتالي للاستخدام والتوظيف السياسي لضمان سيادة أو تكريس ثقافة شمولية أو لا ديمقراطية, أو ما يعرف' بالصوت الواحد'. وهو الأمر الذي عرفته عديد من النظم الشمولية, سواء الشيوعية أو الفاشية أو النازية في عهود ماضية, ثم ورثت جوانب منه العديد من النظم السلطوية في العالم النامي.
ولذلك, ربما كان أصعب قطاع في عملية التحول الديمقراطي الليبرالي هو ذلك القطاع بالتحديد أي الإعلام إن لم يكن الأصعب علي الإطلاق, فالإعلام قد يكون أداة للتقدم والتنوير أو علي العكس أداة للتأخر وبث الأفكار المتخلفة في المجتمع.
إن جوهر تلك القضية يتعلق بطبيعة دور النخبة, فهي القائمة علي الإعلام( سواء كان عاما أو خاصا) في النهاية, وهي التي تصوغ بدورها الرسالة الإعلامية. فجميع الدول التي عرفت التقدم وأخرجت شعوبها من حالة التخلف والجمود قامت بذلك من خلال دور نخبها الفكرية. فلننظر كيف كانت أوروبا في عصورها الوسطي, وماذا أصبحت عليه الآن, وكيف أصبحت أمريكا خلال عقدين من الزمان أكبر قوة علي الساحة العالمية, وكيف تطورت اليابان هذا التطور المذهل لتصبح في مقدمة القوي الاقتصادية والتكنولوجية في العالم. وأيضا الصين والهند ودول جنوب شرق آسيا, كذلك الكثير من دول أمريكا اللاتينية مثل البرازيل والمكسيك والأرجنتين حتي بات منظرو النظام الدولي الحديث يضعونها في مصاف الدول المنافسة علي المكانة الدولية المرموقة, والتي تنذر بتغيير شكل النظام العالمي وتحويله إلي نظام متعدد الأقطاب. إن هذا التقدم وليد علم وعمل وليس صراخا ونحيبا أو هجاء وهدما' للآخر' أي آخر, سواء كان هذا الآخر في الداخل أو الخارج. كما أن المكانة الدولية والإقليمية لا تكتسب إلا بالتفوق والتميز والإنجاز الداخلي.
والسؤال هو: هل دور النخبة لدينا هو التنوير وبث الوعي وجذب المجتمع وقيادة الجماهير إلي الأمام لتحلق بركب التقدم ؟ أم هي تعمل علي تكريس التخلف وإثارة الجماهير واللعب علي اكتساب شعبية تبدو رخيصة تفتقد الحد الأدني من العقلانية والمسئولية ؟.
لا يحتاج أي محلل سياسي لجهد كبير ليخلص إلي النتيجة الثانية, فأغلب وسائل الإعلام( مقروءة ومرئية) إنما تنحاز إلي الشكل الثاني, والصورة باتت مزمنة بل ومرضية أيضا. إن ذلك الشكل أو الاتجاه الثاني هو ما اصطلح علي تسميته بالاتجاه' الشعبوي' بالمعني السلبي, إذ لا يعني بالضرورة الالتصاق بالشعوب والتعبير عن مصالحها, بقدر ما يعني اللعب علي مشاعرها وخلق وعي زائف لا يساعد علي من أزماتها ومشاكلها وإنما يكرس تأخرها ومعاناتها. وقد عانينا من تلك' الشعبوية' السلبية إبان هزيمة1967 المريرة التي لعب الإعلام التعبوي الموجه, قبلها وأثناءها وبعدها, الدور الرئيسي فيها, حيث يوصف هذا النوع الدعائي من الإعلام بكونه إعلاما مضللا و'مخدرا' ربما يسمع الناس ما يريدون أن يسمعوه ليستمتعوا به لحظات ثم يدفعوا ثمنه غاليا, ربما عمرا بأكمله. ومن السهل التعرف علي ملامح تلك الرسالة الإعلامية' الشعبوية' فهي رسالة لابد أن تكون موجهة أساسا ضد( الخارج) باعتباره المسئول عن كل المصائب والكوارث التي تحل بالعالمين العربي الإسلامي, وبالتالي فإن الإنجاز الوحيد هنا يكون ببث الكراهية والعداء ضده لتكون تلك هي الأداة الوحيدة لتأكيد الذات, ولا مانع من أن تصبح تلك هي معركة البحث عن الهوية وعنوان' النضال' من أجلها! رغم أنها قد لا تعكس في النهاية إلا الشعور بالضعف إزاء' الآخرين' الأقوياء المتقدمين. ويكفي استعراض بعض الأمثلة البسيطة مؤخرا, مثل مسألة' الحذاء' الذي وجه إلي الرئيس الأمريكي الذي أضحي هدفا إعلاميا ضخما للإثارة الجماهيرية. وبالمنطق نفسه, جاء الهجوم الإعلامي المكثف علي شيخ الأزهر لمصافحته الرئيس الإسرائيلي في مؤتمر عنوانه وهدفه هو الحوار بين الأديان والثقافات! إن الدلالة الواضحة هنا هو أن الاعلام العربي لم يعد قادرا علي احتمال أي مناقشة عقلانية أو موضوعية أو افساح المجال لأي رأي أو وجهة نظر أو موقف أو تصرف مغاير لما هو' سائد'.