عالم اللاشعور
الدكتور سامر جميل رضوان
هل شعرت مرة أنك تكره شخصاً ما تراه لأول مرة دون أن تدري السبب؟ هل أصبت يوماً بتأنيب الضمير لأنك مررت من أمام شحاذ ولم تعطه النقود لقناعتك بأنه غير محتاج؟ وهل أنت ممن لا يستطيعون إلا وأن يعطوا الشحاذين شيئاً على الرغم القناعة بأنهم غير محتاجين في غالب الأحيان؟ وهل أنت ممن لا يدرون أسباب كثير من تصرفاتهم؟ وهل ضايقتك أحلامك واحترت في تفسيرها؟ إذا كنت كذلك ومن المؤكد أننا جميعاً نمر بمثل هذه المواقف، فقد آن الأوان لأن تعرف المحرك وراء ذلك، والذي نطلق عليه تسمية اللاشعور. فما هو اللاشعور؟
يصف اللاشعور العمليات النفسية التي لا يستطيع الإنسان إدراكها من خلال شعوره الظاهر أو من خلال حالته اليقظة أو الصاحية. وعلى الرغم من هذا فإن تصوراتنا و أفكارنا وذكرياتنا ودوافعنا المخزنة في لا شعورنا تؤثر على ردود أفعالنا الواعية أو الشعورية. فخبرة أن النار محرقة على سبيل المثال خبرة مخزونة في لا شعورنا. وهذه المعلومة لا يحتاجها شعورنا الصاحي إلا في الحالات التي نتعرض فيها لخطر الإصابة بحرق ما. فتجدنا نندفع بعيدين عن النار مثلاً.
ويمتلئ اللاشعور بالمحتويات النفسية وطبقاً للمنشأ الذي نشأت منه يتم التمييز في علم النفس بين اللاشعور الشخصي والأسري والجمعي.
فاللاشعور الشخصي يشتمل على كل ما هو مكبوت. وهذا المكبوت عبارة عن الذكريات الطفولية المبكرة. وتظل هذه الذكريات كامنة في اللاشعور ولا يمكن عادة استحضارها إلى الشعور أو إلى الحالة اليقظة. وللاشعور الشخصي في الاضطرابات الرهابية والأمراض النفسية الجسدية أو في قابلية الإنسان للإثارة والتوتر دور مهم.
أما اللاشعور الأسري فيتضمن الرغبات والتوقعات والقيم التي تغرسها فينا الأسرة والمجتمع خلال التنشئة الاجتماعية، دون أن يعي الإنسان ذلك. ومن مثال ذلك "على المرء طاعة والديه" "على المرء أن يساعد الفقراء"، "المنزل الكبير يمنح المرء وجاهة"، وهذه الأمثلة عبارة عن اتجاهات مزروعة فينا أسرياً أو اجتماعياً.
وقد صاغ عالم النفس كارل غوستاف يونغ كذلك مفهوم اللاشعور الجمعي وقصد به ردود الأفعال التي يشترك فيها الناس جميعاً منذ أن وجد الإنسان على وجه الأرض. فنحن نستجيب للموت بالحزن والبكاء وللولادة بالفرح، وعلى الخطر بالهرب أو الهجوم. وجميع ردود الأفعال هذه لا نتعلمها وإنما تولد معنا، ولكنها كذلك غير موروثة، وإنما منقولة لنا روحياً. ويرى يونغ أن كل إنسان يحمل معه تاريخ كل أجداده الأوائل من خلال التناقل الروحي. ويستشهد يونغ على ذلك من خلال أن جميع الشعوب تمتلك تصورات متشابهة حول السحرة مثلاً أو حول المحاربين العظماء أو الحكماء، ويرى أن هذه النماذج التي نجدها لدى كل الشعوب والتي يطلق عليها تسمية النماذج البدئية أو الأولية هي جزء من اللاشعور الجمعي الذي تشترك فيه البشرية.
ويؤثر اللاشعور دائماً على الحالة الشعورية من خلال إشاراته المستمرة دون أن يدرك الإنسان ذلك. وغالباً ما يحار المرء في فهم محتوى أحلامه ومن الأفكار الغريبة التي تسيطر عليه فجأة أو من رغباته أو خيالاته الجامحة. وهي إذا ما أثارت فينا القلق والتوتر فإننا ننكرها ونحاول تجاهل أنها تنتمي إلينا، أنها جزء من ذاتنا، ونكبتها ثانية في اللاشعور لتعود ثانية. ولهذا السبب غالباً ما تترافق تصرفاتنا بمخاوف مجهولة ومشاعر غامضة، وهذه المخاوف سببها لاشعورنا الذي يشكل هنا المحرك النفسي.
ويمكننا التعرف إلى أجزاء معينة من لاشعورنا إذا ما أردنا ذلك كالذكريات القديمة وما يشبهها. غير أنه توجد بعض المحتويات التي يصعب استحضارها. ويشكل التحليل النفسي هنا الطريقة المثلى في استعادة ونبش محتويات اللاشعور. ومن أجل تتبع أثر الحوادث النفسية اللاشعورية يتم في التحليل النفسي تحليل الأحلام والخواطر الحرة و زلات اللسان والقلم. وعندما يحدث ذلك بشكل منتظم خلال فترة زمنية طويلة يمتلك الإنسان المفتاح إلى لاشعوره ويستطيع فهم دوافع وأسباب تصرفاته و مخاوفه الكامنة.
الدكتور سامر جميل رضوان
هل شعرت مرة أنك تكره شخصاً ما تراه لأول مرة دون أن تدري السبب؟ هل أصبت يوماً بتأنيب الضمير لأنك مررت من أمام شحاذ ولم تعطه النقود لقناعتك بأنه غير محتاج؟ وهل أنت ممن لا يستطيعون إلا وأن يعطوا الشحاذين شيئاً على الرغم القناعة بأنهم غير محتاجين في غالب الأحيان؟ وهل أنت ممن لا يدرون أسباب كثير من تصرفاتهم؟ وهل ضايقتك أحلامك واحترت في تفسيرها؟ إذا كنت كذلك ومن المؤكد أننا جميعاً نمر بمثل هذه المواقف، فقد آن الأوان لأن تعرف المحرك وراء ذلك، والذي نطلق عليه تسمية اللاشعور. فما هو اللاشعور؟
يصف اللاشعور العمليات النفسية التي لا يستطيع الإنسان إدراكها من خلال شعوره الظاهر أو من خلال حالته اليقظة أو الصاحية. وعلى الرغم من هذا فإن تصوراتنا و أفكارنا وذكرياتنا ودوافعنا المخزنة في لا شعورنا تؤثر على ردود أفعالنا الواعية أو الشعورية. فخبرة أن النار محرقة على سبيل المثال خبرة مخزونة في لا شعورنا. وهذه المعلومة لا يحتاجها شعورنا الصاحي إلا في الحالات التي نتعرض فيها لخطر الإصابة بحرق ما. فتجدنا نندفع بعيدين عن النار مثلاً.
ويمتلئ اللاشعور بالمحتويات النفسية وطبقاً للمنشأ الذي نشأت منه يتم التمييز في علم النفس بين اللاشعور الشخصي والأسري والجمعي.
فاللاشعور الشخصي يشتمل على كل ما هو مكبوت. وهذا المكبوت عبارة عن الذكريات الطفولية المبكرة. وتظل هذه الذكريات كامنة في اللاشعور ولا يمكن عادة استحضارها إلى الشعور أو إلى الحالة اليقظة. وللاشعور الشخصي في الاضطرابات الرهابية والأمراض النفسية الجسدية أو في قابلية الإنسان للإثارة والتوتر دور مهم.
أما اللاشعور الأسري فيتضمن الرغبات والتوقعات والقيم التي تغرسها فينا الأسرة والمجتمع خلال التنشئة الاجتماعية، دون أن يعي الإنسان ذلك. ومن مثال ذلك "على المرء طاعة والديه" "على المرء أن يساعد الفقراء"، "المنزل الكبير يمنح المرء وجاهة"، وهذه الأمثلة عبارة عن اتجاهات مزروعة فينا أسرياً أو اجتماعياً.
وقد صاغ عالم النفس كارل غوستاف يونغ كذلك مفهوم اللاشعور الجمعي وقصد به ردود الأفعال التي يشترك فيها الناس جميعاً منذ أن وجد الإنسان على وجه الأرض. فنحن نستجيب للموت بالحزن والبكاء وللولادة بالفرح، وعلى الخطر بالهرب أو الهجوم. وجميع ردود الأفعال هذه لا نتعلمها وإنما تولد معنا، ولكنها كذلك غير موروثة، وإنما منقولة لنا روحياً. ويرى يونغ أن كل إنسان يحمل معه تاريخ كل أجداده الأوائل من خلال التناقل الروحي. ويستشهد يونغ على ذلك من خلال أن جميع الشعوب تمتلك تصورات متشابهة حول السحرة مثلاً أو حول المحاربين العظماء أو الحكماء، ويرى أن هذه النماذج التي نجدها لدى كل الشعوب والتي يطلق عليها تسمية النماذج البدئية أو الأولية هي جزء من اللاشعور الجمعي الذي تشترك فيه البشرية.
ويؤثر اللاشعور دائماً على الحالة الشعورية من خلال إشاراته المستمرة دون أن يدرك الإنسان ذلك. وغالباً ما يحار المرء في فهم محتوى أحلامه ومن الأفكار الغريبة التي تسيطر عليه فجأة أو من رغباته أو خيالاته الجامحة. وهي إذا ما أثارت فينا القلق والتوتر فإننا ننكرها ونحاول تجاهل أنها تنتمي إلينا، أنها جزء من ذاتنا، ونكبتها ثانية في اللاشعور لتعود ثانية. ولهذا السبب غالباً ما تترافق تصرفاتنا بمخاوف مجهولة ومشاعر غامضة، وهذه المخاوف سببها لاشعورنا الذي يشكل هنا المحرك النفسي.
ويمكننا التعرف إلى أجزاء معينة من لاشعورنا إذا ما أردنا ذلك كالذكريات القديمة وما يشبهها. غير أنه توجد بعض المحتويات التي يصعب استحضارها. ويشكل التحليل النفسي هنا الطريقة المثلى في استعادة ونبش محتويات اللاشعور. ومن أجل تتبع أثر الحوادث النفسية اللاشعورية يتم في التحليل النفسي تحليل الأحلام والخواطر الحرة و زلات اللسان والقلم. وعندما يحدث ذلك بشكل منتظم خلال فترة زمنية طويلة يمتلك الإنسان المفتاح إلى لاشعوره ويستطيع فهم دوافع وأسباب تصرفاته و مخاوفه الكامنة.